Ses paroles qui dérangent les wahhabites (partie 1)
mise en garde contre Ibn Taymiyya
أما قوله بنسبة الحركة في حق الله تعالى فقد ذكر في كتابه المنهاج ما نصه: «فإنا نقول إنه يتحرك وتقوم به الحوادث والأعراض فما الدليل على بطلان قولنا؟» ا.هـ
وقال في الموافقة ناقلاً كلام الدارمي المجسم ما نصه: «لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك، كل حي متحرك لا محالة، وكل ميت غير متحرك لا محالة» ا.هـ
وقال فيه أيضًا ما نصه: » وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي و غيرهما, بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة وأن ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من التقدمين والمتأخرين, وذكر حرب الكرماني أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله ابن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور, وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة فكل حي متحرك, وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات » اهـ
أما قوله بالنزول في حق الله تعالى فقد ذكره في كتابه شرح حديث النزول فقال ما نصه: » لكن هذا النور والبركة والرحمة التي في القلوب هي من ءاثار ما وصف به نفسه من نزوله بذاته سبحانه وتعالى كما وصف نفسه بالنزول عشية عرفة في عدة أحاديث صحيحة » اهـ
وقال في كتابه المنهاج ما نصه: «ثم إن جمهور أهل السنة يقولون: إنه ينزل ولا يخلو منه العرش كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحماد بن زيد وغيرهما، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته» ا.هـ
وقال في كتابه شرح حديث النزول وكتابه الفتاوى ما نصه: «والقول الثالث وهو الصواب وهو المأثور عن سلف الأمة وأئمتها: أنه لا يزال فوق العرش ولا يخلو العرش منه مع دنوه ونزوله إلى السماء الدنيا، ولا يكون العرش فوقه» ا.هـ
وقال في كتابه شرح حديث النزول ايضًا: » وحينئذ فإذا قال السلف والأئمة كحماد بن زيد وإسحاق بن راهويه وغيرهما من أئمة أهل السنة إنه ينزل ولا يخلو منه العرش لم يجز أن يقال: إن ذلك ممتنع » اهـ. ثم قال ما نصه : وأصل هذا أن قربه سبحانه ودنوه من بعض مخلوقاته لا يستلزم أن تخلو ذاته من فوق العرش بل هو فوق العرش ويقرب من خلقه كيف شاء, كما قال ذلك من قاله من السلف » اهـ
فليُنظر إلى هذه الأقوال من ابن تيمية وما ذلك منه إلا تمويه, فهو ينسب الرأي الذي يعجبه إلى أئمة أهل الحديث أو السلف وهم بريئون من ذلك، ولن يستطيع أن يثبت ذلك عن أحد من أئمة الحديث إلا أن يكون من المجسمة المنتسبة إلى الحديث كأمثال الذي قال: ألزموني ما شئتم غير اللحية والعورة
وليعلم أن نفي الحركة والسكون عن الله هو ما أطبق عليه علماء أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية لا يعلم في ذلك خلاف بل هو معنى قول الإمام الحافظ السلفي أبي جعفر الطحاوي في عقيدته: ((ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر)) أليس من معاني البشر الحركة والسكون والجلوس، أليس تضمن تأويل الإمام أحمد بن حنبل قوله تعالى: « وَجَاء رَبُّكَ » [سورة الفجر]، ((جاءت قدرته)) نفي الحركة والسكون عن الله والتحيز في العرش، فلو كان يعتقد المجيء على ظاهره لما أؤل بل ترك اللفظ على ما هو عليه كما هو معتقد المشبهة، فإن لم تكن الحركة والسكون من معاني البشر فما هي معاني البشر، فإن الله جعل بعض االعالم ساكنا كالسموات السبع والعرش وجعل بعض العالم متحركا دائما وهي النجوم، وجعل بعض العالم متحركا تارة وساكنا تارة كالملائكة والإنس والجن والدواب؛ فكيف يصح أن يوصف الخالق بأحدهما، فلو كان متصفا بأحدهما لكان له أمثال كثير وذلك ينافي قوله تعالى: « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » [سورة الشورى] فلو فهمت قول السلف في أحاديث الصفات: ((أمروها كما جاءت بلا كيف))، فما معنى الكيف إلا نفي صفات الخلق عن الله ومنها الحركة والسكون
وليس معنى قول السلف: ((بلا كيف)) إثبات الحركة والسكون والتنقل لله تعالى على ما توهمه بعض ظواهر الآيات والأحاديث
ويكفي في الرد عليه ما ذكره الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات نقلآ عن الحافظ أبي سليمان الخطابي ما نصه : « وقد رد بعض شيوخ أهل الحديث ممن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال، فحاد عن هذه الطريقة حين روى حديث النزول، ثم أقبل على نفسه فقال: إن قال قائل كيف ينزل ربنا إلى السماء؟ قيل له: ينزل كيف يشاء، فإن قال: هل يتحرك إذا نزل؟ فقال: إن شاء يتحرك وإن شاء لم يتحرك، وهذا خطأ فاحش عظيم، والله تعالى لا يوصف بالحركة، لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وانما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون وكلاهما من أعراض الحدث وأوصاف المخلوقين، والله تبارك وتعالى متعالي عنهما « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » [سورة الشورى]. فلو جرى هذا الشيخ على طريقة السلف الصالح ولم يدخل نفسه فيما لا يعنيه لم يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطا الفاحش)) اهـ
وقال في قوله تعالى: « فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ » [سورة النحل] ما نصه: ((لم يرد به إتيانا من حيث النقلة)) اهـ، وقال في حديث النزول ما نصه: « إنه ليس حركة ولا نقلة، تعالى الله عن صفات المخلوقين)) اهـ
وقال الحافظ البيهقي في قوله تعالى: « وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا » [سورة الفجر] ما نصه : ((والمجيء والنزول صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال الى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما يقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا)) اهـ
قال القرطبي في تفسير سورة ءال عمران عند قوله تعالى: « وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ » بعد ذكره حديث النزول وما قيل فيه ما نصه : « وأولى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النسائي مفسرا عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله: ((إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا فيقول هل من داع يستجاب له؟، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى))، صححه أبو محمد عبد الحق، وهو يرفع الإشكال ويوضح كل احتمال، وأن الأول من باب حذف المضاف، أي ينزل ملك ربنا فيقول، وقد روى ((يُنزل)) بضم الياء وهو يبين ما ذكرنا » اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه : ((استدل به من أثبت الجهة وقال هي جهة العلو، وأنكر ذلك الجمهور لأن القول بذلك بفضي إلى التحيز، تعالى الله عن ذلك، وقد اختلف في معنى النزول على أقوال)) اهـ، وأفاض في ذكرهما، ثم قال: ((وقد حكى أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي ينزل ملكا، ويقويه ما رواه النسائي من طريق الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما بلفظ ( إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول: هل من داع فيستجاب له)) الحديث. وفي حديث عثمان بن أبي العاص: ((ينادي مناد هل من داع يستجاب له)) الحديث، قال القرطبي: وبهذا يرتفع الإشكال)) اهـ
قلت: وحديث عثمان بن أبي الغاص أخرجه أحمد في مسنده بلفظ: ((ينادي مناد كل ليلة: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مستغفر فيغفر له، حتى ينفجر الفجر))، وأخرجه الطبراني عنه بلفظ: ((تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه)) الحديث، قال الحافظ الهيثمي عقبه: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح
ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري قول البيضاوي ونصه : ((وقال البيضاوي: ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه )) اهـ
وقال البيهقي في مناقب أحمد : « أنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو ابن السماك قال: حدثنا حنبل بن إسحق قال: سمعت عمي أبا عبد الله يعني أحمد يقول: احتجوا علي يومئذ، يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين. فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك فقلت لهم: إنما هو الثواب، قال الله تعالى: « وَجَاء رَبُّكَ » [سورة الفجر] إنما يأتي قدرته، وإنما القرءان أمثال ومواعظ. نقله عنه ابن كثير في كتابه البداية و النهاية
قال البيهقي: وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها، وانما هو عبارة عن ظهورءايات قدرته فإنهم لما زعموا أن القرءان لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان، فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ فعبر عن إظهاره إياها بمجيئه)). اهـ
ونقل الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في تفسيره زاد المسير عن الإمام أحمد أنه فسر قوله تعالى: « هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ » [سورة النحل]، بمجيء أمره والقرءان يفسر بعضه بعضا
وقوله تعالـى: « وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ » [سورة الأعراف] فيه دليل على صحة رواية النسائي : (( ان الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا…)) فكما أن الله تعالى نسب نداء الملك لآدم وحواء إلى نفسه لكونه بأمره، فكذلك صح إسناذ نزول الملك إلى السماء الدنيا ليبلغ عن الله: ((هل من داع فيستجيب الله له، وهل من سائل فيعطى، وهل من مستغفر فيغفز له)) إلى الله. وفي الآية أيضا دليل على أن نداء الملك لبعض خلق الله بأمر الله يسند إلى الله من غير أن يكون هناك صوث يخرج من الله، فمن هنا يؤخذ رد اعتراض بعض المجسمة رواية النسائي لحديث النزول حيث إنه قال إن هذه الرواية تستلزم حصول قول من الملك: هل من مستغفر فأغفز له وهل من داع فأستجيت له. فنقول كما أن الله جعل نداء الملك لآدم وحواء بأن الله يقول لكما: « أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مبين » [سورة الأعراف] كذلك يحمل حديث النزول على الرواية المشهورة على أن الله يأمر الملك بالنزول إلى السماء الدنيا ويبلغ عن الله بأن يقول: إن الله يقول لعباده الداعين والسائلين: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني . فأعطيه إلى ءاخر ما ورد فيه، وليس المعنى أن الملك يقول عن نفسه من يستغفرني فأغفز له ومن يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه. ونظيز هذا ما جاء في القرءان من قوله تعالى لنبيه: « لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه » [سورة القيامة]، فقوله تعالى: « فَإِذَا قَرَأْنَاهُ » [سورة القيامة] معناه فإذا قرأه جبريل عليك بأمرنا، ومعلوم أنه ليس المعنى أن الله يقرأ القرءان على رسول الله كما يقرأ المعلم على التلميذ، فبهذا ينحل الإشكال الذي يخطر لبعض الناس
ويلزم من التمسك بظاهر رواية البخاري ومالك وغيرهما لحديث النزول المشهور أن يكون الله فيما بين النصف الثاني من الليل والفجر مستمرا في النزول والصعود إن حملوا النزول بالنسبة لكل أرض، وذلك أن الليل يختلف باختلاف البلاد فنصف الليل في بلد هو أول النهار في بلد ءاخر وقد يكون في أرض أول الليل أو أقل أو اكثر، وإن حملوا النزول على أرض واحدة فيما بين انتصاف ليلها وفجرها فبأي حجة خصصوا النزول بأرض واحدة، والحديث ليس فيه بأرض كذا
قال بدر الدين بن جماعة في كتابه إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ما نصه : ((اعلم أن النزول الذي هو الانتقال من علو إلى سفل لا يجوز حمل الحديث عليه لوجوه
الأول: النزول من صفات الأجسام والمحدثات وـيحتاج إلى ثلاثة: منتقل، ومنتقل عنه، ومنتقل إليه، وذلك على الله تعالى محال
الثاني: لو كان النزول لذاته حقيقة لتجددت له في كل يوم وليلة حركات عديدة تستوعب الليل كله، وتنقلات كثيرة، لأن ثلث الليل يتجدد على أهل الأرض مع اللحظات شيئأ فشيئا، فيلزم انتقاله في السماء الدنيا ليلأ ونهارا من قوم إلى قوم، وعوده إلى العرش في كل لحظة على قولهم، ونزوله فيها إلى سماء الدنيا، ولا يقول ذلك ذو لب وتحصيل
الثالث: أن القائل بأنه فوق العرش، وأنه ملأه كيف تسعه سماء الدنيا، وهي بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة، فيلزم عليه أحد أمرين، إما اتساع سماء الدنيا كل ساعة حتى تسعه، أو تضاؤل الذات المقدس عن ذلك حتى تسعه، ونحن نقطع بانتفاء الأمرين )). اهـ
وقال الحافظ البيهقي في السنن الكبرى ما نصه: « أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النزول قد ثبت عن رسول الله من وجوه صحيحة وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: « وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا » [سورة الفجر] والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه جل الله تعالى عما تقول المعطلة لصفاته والمشتهة بها علوا كبيرا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النزول الذي هو تدلي من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير)). اهـ
فليعلم الجاهل الذي لا تمييز له أنه حاد عن الحق الذي اتفق عليه السلف والخلف، فإن من أول من السلف والخلف تأويلأ إجماليا قال في حديث النزول وحديث الجارية وشبههما، وفي ءاية الاستواء على العرش والمجيء المذكور في قول! الله تعالى: « وَجَاء رَبُّكَ » [سورة الفجر] وشبههما من الآيات: ((بلا كيف)) ، ومرادهم أن ذلك على غير صفة من صفات الخلق أي ليس النزول كالنزول الحسي ولا الاستواء بمعنى الجلوس والاستقرار، ولا المجيء بالانتقال والحركة وما هو من صفات المخلوق، فمعنى قولهم بلا كيف أن لهذه النصوص معان ليس فيها تشبيه لصفات الله بصفات الخلق
وأمّا الذين أولوا التأويل التفصيلي كالذين أولوا المجيء بمجيء القدرة أي ءاثار قدرة الله، والنزول بنزول الملك أو نزول الرحمة وما أشبه ذلك كتأويل الإمام سفيان الثوري والإمام البخاري وجه الله المذكور في قوله تعالى: « كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ » [سورة القصص] بما أريد به وجه الله وبملك الله، فلم يصفوا الله تعالى بصفات المخلوقين، فكلا الفريقين لم يتمسك بظواهر تلك لأيات وتلك الأحاديث، فكل متفقون على تنزيه الله عن صفات المخلوقين وعلى أن تلك الآيات والأحاديث ليس معانيها المعاني المعهودة من الخلق، فلا أحد من الفريقين يعتقد في حديث النزول أن الله تعالى ينزل نزولا حسيا كنزول الملائكة والبشر، ولا أحد منهم يعتقد أن معنى الاستواء الجلوس والاستقرار على العرش أو الكون في جهة العلو من غير مماسة، وذلك تمسك منهم بمعنى قوله تعالى: « فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ » [سورة الشورى] الذي هو تنزيه كلي، فترد تلك الآيات والأحاديث إلى هذه الآية. لأنها محكمة. فنفاة التأويل الإجمالي والتفصيلي لا مهرب لهم من الوقوع في المحال فيصيرون ضحكة عند أهل التمييز والفهم الذين يوققون بين النقل والعقل
قال تقي الدين الحصني في كتابه دفع شُبه من شبه وتمرد ما نصه : ((وفي مواضع أغراضهم- أي ابن تيمية وأتباعه- الفاسدة يجرون الأحاديث على مقتضى العرف والحسن، ويقولون: ينزل بذاته وينتقل ويتحرك ويجلس على العرش بذاته، ثم يقولون: لا كما يعقل، يغالطون بذلك من يسمع من عامي وسيء الفهم، وذلك عين التناقض ومكابرة للحس والعقل، لأنه كلام متهافت يدفع ءاخره أوله وأوله ءاخره)) اهـ
(partie 1)
زعم ابن تيمية أن الله يتكلم بحرفٍ وصوتٍ وأنه يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء
ومن جملة افتراءات ابن تيمية على أئمة الحديث وأهل السُّنة والجماعة نقله عنهم أن الله متكلم بصوت نوعه قديم أي يحدث في ذات الله شيئا بعد شىء قال في كتابه رسالة في صفة الكلام ما نصه: « وحينئذٍ فكلامه قديم مع أنه يتكلم بمشيئته وقدرته وإن قيل إنه ينادي ويتكلم بصوت ولا يلزم من ذلك قدم صوت معين، وإذا كان قد تكلم بالتوراة والقرءان والإنجيل بمشيئته وقدرته لم يمتنع أن يتكلم بالباء قبل السين، وإن كان نوع الباء والسين قديمًا لم يستلزم أن يكون الباء المعينة والسين المعينة قديمة لما علم من الفرق بين النوع والعين » ا هـ
وقال في موضع ءاخر منه: « وقال الشيخ الإمام أبو الحسن محمد ابن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سمّاه الفصول في الأصول: سمعت الإمام أبا منصور محمد بن أحمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد يقول: سمعت الشيخ أبا حامد الإسفرايني يقول: مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرءان كلام الله غير مخلوق ومن قال إنه مخلوق فهو كافر، والقرءان حمله جبريل عليه السلام مسموعًا من الله والنبي سمعه من جبريل والصحابة سمعوه من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وهو الذى نتلوه نحن مقروء بألسنتنا وفيما بين الدفتين وما في صدورنا مسموعًا ومكتوبًا ومحفوظًا ومقروءًا وكل حرف منه كالباء والتاء كله كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين »ا هـ
وقال في المنهاج « وسابعها قول من يقول إنه لم يزل متكلمًا إذا شاء بكلام يقوم به وهو متكلم بصوت يسمع وإن نوع الكلام قديم وإن لم يجعل نفس الصوت المعين قديمًا وهذا هو المأثور عن أئمة الحديث والسُّنة وبالجملة أهل السُّنة والجماعة أهل الحديث « . اهـ
وقال في الموافقة ما نصه : « وإذا قال السلف والأئمة إن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء فقد أثبتوا أنه لم يتجدد له كونه متكلمًا، بل نفس تكلمه بمشيئته قديم وإن كان يتكلم شيئا بعد شىء، فتعاقب الكلام لا يقتضي حدوث نوعه إلا إذا وجب تناهي المقدورات المرادات » اهـ
ثم قال فيه ما نصه : « فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له صف لنا كلام ربك فقال: سبحان الله وهل أستطيع أن أصفه لكم، قالوا: فشبهه، قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي، تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها فكأنه مثله » اهـ
وقال في الموافقة ما نصه : « وحينئذ فيكون الحق هو القول الآخر وهو أنه لم يزل متكلمًا بحروف متعاقبة لا مجتمعة » اهـ
وقال في فتاويه ما نصه : « فعلم أن قدمه عنده أنه لم يزل إذا شاء تكلم وإذا شاء سكت، لم يتجدد له وصف القدرة على الكلام التي هي صفة كمال، كما لم يتجدد له وصف القدرة على المغفرة، وإن كان الكمال هو أن يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء » اهـ
وقال فيه ايضا ما نصّه : « وفي الصحيح: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات كجر السلسلة على الصفوان » فقوله: » إذا تكلم الله بالوحي سمع يدل على أنه « يتكلم به حين يسمعونه، وذلك ينفي كونه أزليًا، وأيضا فما يكون كجر السلسلة على الصفا، يكون شيئا بعد شىء والمسبوق بغيره لا يكون أزليًا » اهـ
وقال أيضًا ما نصه : « وجمهور المسلمين يقولون: إن القرءان العربي كلام الله، وقد تكلـم الله به بحرف وصوت، فقالوا: إن الحروف والأصوات قديمة الأعيان، أو الحروف بلا أصوات، وإن الباء والسين والميم مع تعاقبها في ذاتها فهي أزلية الأعيان لم تزل ولا تزال كـما بسطت الكلام على أقوال الناس في القرءان في موضعءاخر » اهـ
وقال في مجموعة تفسير ما نصه : » وقولهم، « إن المحدَث يفتقر إلى إحداث وهلم جرا » هذا يستلزم التسلسل في الآثار مثل كونه متكلمًا بكلام بعد كلام، وكلمات الله لا نهاية لها، وأن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء، وهذا قول أئمة السنة، وهو الحق الذي يدل عليه النقل والعقل » اهـ
أقول: فلا يغتر مطالع كتبه بنسبة هذا الرأي الفاسد إلى أئمة أهل السنة وذلك دأبه أن ينسب رأيه الذي يراه ويهواه إلى أئمة أهل السُّنة، وليعلم الناظر في مؤلفاته أن هذا تلبيس وتمويه محض يريد أن يروجه على ضعفاء العقول الذين لا يوفقون بين العقل والنقل، وقد قال الموفقون من أهل الحديث وغيرهم إن ما يحيله العقل فلا يصح أن يكون هو شرع الله كما قال ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: إن الشرع لا يأتي إلا بمجوزات العقول، وبهذا يردّ الخبر الصحيح الإسناد أي إذا لم يقبل التأويل كما قاله علماء المصطلح في بيان ما يعلم به كون الحديث موضوعًا، وأيّدوا ذلك بأن العقل شاهد الشرع فكيف يرد الشرع بما يكذبه شاهده
فمن قال: إن الله يتكلم بصوت، وقال: إنه صوت أزلي أبدي ليس فيه تعاقب الحروف فلا يُكَفَّر إن كان نيته كما يقول، وإلا فهو كافر كسائر المشبهة. وأما أحاديث الصوت فليس فيها ما يحتج به في العقائد، وقد ورد حديث مختلف في بعض رواته وهو عبد الله بن محمد بن عقيل ، روى حديثه البخاري بصيغة التمريض، قال: ويُذكر، وفيه: فينادى بصوت فيسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ، أنا الملك أنا الديّان « ، وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض من أجل راويه هذا، قال الحافظ ابن حجر : « ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأنّ الإسناد حسن وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفًا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف- فيها ولو اعتضدت » ا. هـ. أي لا يكفي ذلك في مسائل الاعتقاد وإن كان البخاري ذكر أوله في كتاب العلم بصيغة الجزم لأنه ليس- فيه ذكر الصوت، إنما فيه ذكر رحيل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أُتَيْس من المدينة إلى مصر
والحديث الآخر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): « يقول الله يوم القيامة: ياءادم، فيقول: لبيّك وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار »، هذا اللفظ رواه رواة البخاري على وجهين، بعضهم رواه بكسر الدال وبعضهم رواه بفتح الدال
قال الحافظ ابن حجر « ووقع فينادي مضبوطًا للأكثر بكسر الدال، وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول، ولا محذور في رواية الجمهور، فإن قرينة قوله: إن الله يأمرك، تدل ظاهرًا على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك » اهـ. وهذا الحديث رواه البخاري موصولاً مسندًا، لكنه ليس صريحًا في إثبات الصوت صفة لله فلا حجة فيه لذلك للصوتية
قال الحافظ ابن حجر : قال البيهقي: اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه، ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي غير حديثه، فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره في حديث ابن مسعود وفي حديث أبي هريرة أن الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتًا، فيحتمل أن يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة، وإذا احتمل ذلك لم يكن نصًّا في المسألة، وأشار- يعني البيهقي- في موضعءاخر إلى أن الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بصوت « . انتهى
قال الكوثري في مقالاته ما نصه: « ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث » اهـ
أقول: وكذا قال البيهقي في الأسماء والصفات فليس فيها ما يصح الاحتجاج به لإثبات الصفات لأن حديث الصفات لا يقبل إلا أن يكون رواته كلهم متفقًا على توثيقهم، وهذه الروايات المذكورة في فتح الباري في كتاب التوحيد ليست على هذا الشرط الذي لا بدّ من حصوله لأحاديث الصفات كما ذكره صاحب الفتح في كتاب العلم. لكنه خالف في موضع بما أورده في كتاب التوحيد من قوله: بعد صحة الأحاديث يتعين القول بإثبات الصوت له ويؤول على أنه صوت لا يستلزم المخارج
ثم قال الكوثري: « وقد أفاض الحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ المنذري في رسالة خاصة في تبيين بطلان الروايات في ذلك زيادة على ما يوجبه الدليل العقلي القاضي بتنزيه الله عن حلول الحوادث فيه سبحانه، وإن أجاز ذلك الشيخ الحراني تبعا لابن ملكا اليهودي الفيلسوف المتمسلم، حتى اجترأ على أن يزعم أن اللفظ حادث شخصًا قديم نوعًا، يعني أن اللفظ صادر منه تعالى بالحرف والصوت فيكون حادثا حتمًا، لكن ما من لفظ إلا وقبله لفظ صدر منه إلى ما لا أول له فيكون قديمًا بالنوع، ويكون قدمه بهذا الاعتبار في نظر هذا المخرف، تعالى الله عن إفك الأفّاكين، ولم يدر المسكين بطلان القول بحلول الحوادث في الله جل شأنه وأن القول بحوادث لا أوّل لها هذيان، لأن الحركة انتقال من حالة إلى حالة، فهي تقتضي بحسب ماهيتها كونها مسبوقة بالغير، والأزل ينافي كونه مسبوقا بالغير، فوجب أن يكون الجمع بينهما محالا، ولأنه لا وجود للنوع إلا في ضمن أفراده، فادعاء قدم النوع مع الاعتراف بحدوث الأفراد يكون ظاهر البطلان. وقد أجاد الرد عليه العلاّمة قاسم في كلامه على المسايرة ». ا.هـ
قلت: وقد ذكر الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي أثناء ترجمة الحافظ ناصر السنة أبي الحسن علي ابن أبي المكارم المقدسي المالكي ما نصه : » كان صحيح الاعتقاد مخالفا للطائفة التي تزعم أنها أثرية، صنف كتابه المعروف بكتاب الأصوات أظهر فيه تضعيف رواة أحاديث الأصوات وأوهاهم، وحكى الشيخ تقي الدين شرف الحفاظ عن والده مجد الدين قال بأنه بلغ رتبة المجتهدين » ! اهـ
فلا يصحُّ حمل ما ورد في النصّ من النداء المضافِ إلى الله تعالى في حديث « يحشر الله العباد فيناديهم بصوت… » على الصوتِ على معنى خروجه من الله، فتمسُّك المشبهة بالظاهر لاعتقاد ذلك تمويه لا يروج إلا عند سُخفاء العقول الذين حُرموا منفعة العقل الذي جعل الشرع له اعتبارًا، وهل عُرِفت المعجزة أنها دليل على صحة نبوة من أتى بها من الأنبياء إلا بالعقل؟
وقال- أي الكوثري- في تعليقه على السيف الصقيل ما نصه : »وحديث جابر المعلق في صحيح البخاري مع ضعفه في سياق ما بعده من حديث أبي سعيد ما يدل على أن المنادي غير الله حيث يقول (… فينادى بصوت إن الله يأمرك… » فيكون الإسناد مجازيًا، على أن الناظم يعني ابن زفيل وهو ابن قيم الجوزية. ساق في « حادي الأرواح » بطريق الدارقطني حديثا فيه: « يبعث الله يوم القيامة مناديًا بصوت…. » وهذا نص من النبي (صلّى الله عليه وسلّم) على أن الإسناد في الحديث السابق مجازي، وهكذا يخرب الناظم بيته بيده وبأيدي المسلمين، وللحافظ أبي الحسن المقدسي جزء في تبيين وجوه الضعف في أحاديث الصوت فليراجع ثمة » ا.هـ
وهناك حديث ءاخر : (إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئًا »، ورواه أبو داود (25) بلفظ: « سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفوان »، وهذا قد يحتج به المشبهة، وليس لهم فيه حجة لأن الصوت خارجٌ من السماء، فالحديث فسر الحديث بأن الصوت للسماء، فتبين أن قول الحافظ ابن حجر في موضع من الشرح: إن إسناد الصوت إلى الله ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة فيه نظر فليُتأمل
قال الشيباني في شرح الطحاوية ما نصه: « والحرف والصوت مخلوق، خلق الله تعالى ليحصل به التفاهم والتخاطب لحاجة العباد إلى ذلك أي الحروف والأصوات، والبارىء سبحانه وتعالى وكلامه مستغن عن ذلك أي عن الحروف والأصوات، وهو معنى قوله: « ومن وصف الله تعالى بمعنى من معاني البشر فقد كفر » اهـ
فإذا قال قائل إن بعض اللغويين قال: النداء الصوت، قلنا ليس مراد من قال ذلك أن النداء لا يكون في لغة العرب في جميع الموارد إلا بالصوت، وإنما المراد أنه في غالب الاستعمال يكون بالصوت، وقد قال ءاخرون من اللغويين: النداء طلب الإقبالِ، فليعلم المغفلون الآن ما جهلوه من أن قول السلف عند ذكر تلك الآيات وتلك الأحاديث بلا كيف معناه ليس على ما يفهمه الناس من صفات المخلوقين، ولوكان يصح أن يكون قول الله تعالى: (وَجَآءَ رَبُّك ) (سورة الفجر/22)، المجيء المعهود من الخلق ما قال الإمام أحمد في هذه الآية: (وَجَآءَ رَبُّك ) إنما جاءت قدرته
قال القرطبي في التذكرة ما نصه : فصل: قوله في الحديث: « فيناديهم بصوت »: استدل به من قال بالحرف والصوت وأن الله يتكلم بذلك، تعالى عما يقول المجسمون والجاحدون علوًا كبيرًا، إنما يُحمل النداء المضاف إلى الله تعالى على نداء بعض الملائكة المقربين بإذن الله تعالى وأمره، ومثل ذلك سائغ في الكلام غير مستنكر أن يقول القائل: نادى الأمير، وبلغني نداء الأمير، كما قال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَونُ فِي قَوْمِهِ) (سورة الزخرف/51)، وإنما المراد نادى المنادي عن أمره، وأصدر نداءه عن إذنه، وهو كقولهم أيضًا قتل الأمير فلانًا، وضرب فلانًا، وليس المراد توليَه لهذه الأفعال وتصديَهُ لهذه الأعمال، ولكن المقصود صدورها عن أمره. وقد ورد في صحيح الأحاديث أن الملائكة ينادون على رؤوس الأشهاد فيخاطبون أهل التقى والرشاد: ألا إن فلان ابن فلان كما تقدم
ومثله ما جاء في حديث النزول مفسرًا فيما أخرجه النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد قالا: قال رسول الله: » إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديًا. يقول: هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفرله، هل من سائل يعطى » صححه أبو محمد عبد الحق، وكل حديث اشتمل على ذكر الصوت أو النداء فهذا التأويل فيه، وأن ذلك من باب حذف المضاف، والدليل على ذلك ما ثبت من قِدَم كلام الله تعالى على ما هو مذكور في كتب الديانات
فإن قال بعض الأغبياء: لا وجه لحمل الحديث على ما ذكرتموه فإن فيه: « أنا الديّان »، وليس يصدر هذا الكلام حقًّا وصدقًا إلا من رب العالمين؟ قيل له: إن الملَكَ إذا كان يقول عن الله تعالى ويُنْبِىءُ عنه فالحكم يرجع إلى الله رب العالمين، والدليل عليه أن الواحد منا إذا تلا قول الله تعالى: (إنًّنِي أَنَا الله) (سورة طه/14)، فليس يرجع إلى القارىء وإنما القارىء ذاكر لكلام الله تعالى ودالُّ عليه بأصواته وهذا بَيّنٌ) » اهـ
قلت: وهذا له أيضًا دليل قوي في الصحيح في حديث المعراج الذي ذكر فيه تخفيف الخمسين صلاة إلى خمس قوله (صلّى الله عليه وسلّم): » فلما جاوزت ناداني منادٍ: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي « ، فما أراد رسول الله بقوله: « ناداني » إلا المَلَك. فإذا ثبت هذا النداء من المَلَك مبلغًا عن الله فلا يمتنع أن ينادي المَلَك بتلك الجمل الثلاث: « هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى »، فبطل استنكار أن يكون هذا اللفظ من المَلَك في حديث النزول، فأين تذهب المشبهة
قال الشيخ شرف الدين بن التلمساني في شرح لمع الأدلة للجويني ما نصه : وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني زورت في نفسي كلاما
الطرف الثالث: إذا أطلق
الكلام على المعنى القائم بالنفس وعلى الألفاظ الدالة عليه فهل هو حقيقة فيهما معًا أو حقيقة في اللفظ مجاز في القائم بالنفس أو بالعكس اختلفوا في ذلك، فنقل عن الشيخ أبي الحسن قولان أحدهما: إنه حقيقة في المعنى القائم بالنفس مجاز في العبارات من مجاز إطلاق الدليل على المدلول، والقول الثاني: إنه حقيقة فيهما لاستعماله فيهما جميعًا. والأصل في الإطلاق الحقيقة وصار غيره إلى أنه حقيقة في العبارات لتبادرها إلى الفهم عند الإطلاق وعدم القرائن، ومجاز في المعنى القائم بالنفس لخفائه ولا يبعد أن يكون حقيقة لغوية في المعنى القائم بالنفس، ومجازٍا في الألفاظ » اهـ
ثم قال أيضا ما نصه : « الفرقة الثانية: وهم الكرّامية زعموا أن البارىء تعالى تقوم به الأقوال المركبة من الحروف والأصوات، قالوا: ولا يكون قابلاً بها وإنما هو قابل للقابلية، وفسروا القابلية بالقدرة على القول، وكذلك أثبتوا له مشيئة قديمةً وإراداتٍ حادثة تقوم به، قالوا: وإذا أراد الله تعالى إحداث محدَثٍ في الوجود خلق بذاته كافًا ونونًا وإرادة يوجِب بها ما هو خارج عن ذاته أخذًا من قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ( سورة يس /82)، وما ذكروه من قيام الحوادث بذاته يلزم منه حدوثه، فإن كل ما قبل الحوادث لا يخلو عنها وما لا يخلو عن الحوادث حادث، وأما الآية فهي إشارة إلى سرعة وقوع المراد فعبر عن القصد إلى الإيقاع بالأمر، وعن الوقوع بصورة الامتثال »اهـ
وتبع ابن تيمية الكرامية في ذلك في قوله إن الله تقوم به كلمات تحدث في ذاته من وقت بعده وقت وهكذا على الاستمرار، يقول: فكلامه تعالى قديم النوع حادث الأفراد كما قالت الكرامية، وينسب هذا المذهب الردىء الذي أخذه من الكرامية إلى أئمة أهل الحديث، وأئمة أهل الحديث على خلاف ما يدعيه وما يقول، فإن معتقدهم أن ذات الله تعالى لا تحدث فيه صفة تتجدد من وقت إلى وقت، تتجدد في مرور الأوقات، ويكفي في ذلك ما ذكره الحافظ الطحاوي الشهير ناسبًا ذلك إلى معتقد أبي حنيفة وصاحبيه ومن كان في تلك العصور من الأئمة، لأنه ألف عقيدته هذه المشهورة لبيان ما عليه أهل السنة وليس لبيان ما هو معتقده الخاص
وأما ما احتج به ابن تيمية موهمًا أن أئمة الحديث على ذلك فإنما هو قول بعض المشبهة من الحنابلة وغيرهم، وليس هؤلاء الذين يعتمد عليهم في تلك المنزلة في الحديث لأنه يعتمد على مثل أبي إسماعيل الهروي السجزي وعثمان بن سعيد الدارمي، وأما ما يذكره عن ابن المبارك فهو- غير ثابت إسنادًا، وقد نص أبو حنيفة رضي الله عنه على أن الله تعالى متكلم بكلام ليس حرفًا ولا صوتًا، وكل الحفاظ المنتسبين إلى مذهبه على هذا، وكذا الحفاظ المشاهير المنتسبون إلى الشافعي على هذا، وكذلك حفاظ المالكية ومتقدمو الحنابلة، فكيف يتجرأ ابن تيمية على نسبة هذا إلى أئمة الحديث موهمًا أن هذا مما أجمعوا عليه، وكثيرًا ما ينقل اتفاق العلماء على أشياء انفرد هو بها
ويكفي أهل السنة دليلأ على أن الله تعالى لا يتكلم بالحرف والصوت ما أنزله الله في القرآن وهو قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) ( سورة التكوير/19)، يعني أن القرءان الذي هو اللفظ المنزل مقروء جبريل ليس مقروء الله، والى هذا أشار الطحاوي في عقيدته بقوله: « وأن القرءان كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا »، والمراد بقوله: « بلا كيفية قولا، نفي أن يكون الله تعالى يتكلم بالحرف والصوت كما يتكلم العباد لأنه هو الذي نفاه بقوله « بلا كيفية »، وإلا فلو كان الله قرأ القرءان على جبريل بالحرف والصوت لم يقل « بلا كيفية » لأن الحروف كيفيات، سبحان الله الذي يقفل قلوب من شاء من عباده عن فهم الحق
وأما قول الطحاوي: « منه بدا »، فليس معناه أن الله أحدثه في ذاته بعد أن لم يكن يتكلم به، إنما معناه منزل من عنده، أي نزل به جبريل بأمر الله
وأما قول الله تعالى: (مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) ( سورة لقمان/27) ، فالجمع ليس لأن كلام الله حروف متعاقبة، إنما ذكر بالجمع في الآية للتعظيم أي لتعظيم كلامه كما قال البيهقي في الأسماء والصفات مع كونه في الحقيقة واحدًا لا تعدد فيه، شامل لكل متعلقاته من الواجب والجائز والمستحيل، لأن الكلام معناه الإخبار والذِّكر، ولا يُقاس صفة من صفات الله بصفات غيره، فمن قاس كلام الله الأزلي الشامل للواجب العقلي والجائز العقلي والمستحيل العقلي على كلام العباد فقد شبهه بخلقه. ومنشأ ضلالة المشبهة أنهم قاسوا ذاته الذي ليس حجمًا وجسمًا بذوات الخلق فأثبتوا له الحيز والشكل، وقاسوا صفاته بصفات خلقه فجعلوها حادثة وهذا يشهد عليهم بأنهم لم يفهموا قول الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
فائدة جليلة: من الدليل على، أن اللفظ المنزل المتألف من الحروف لا يجوز أن يكون كلام الله الأزلي القائم بذاته ما ثبت أن الله تعالى يكلم كل فرد من أفراد العباد يوم القيامة، فلو كان الله تبارك وتعالى يكلمهم بصوت وحرف لم يكن حسابه لعباده سريعًا، والله تبارك وتعالى وصف نفسه بأنه سريع الحساب
ولو كان كلام الله تعالى بحرف وأصوات لكان أبطأ الحاسبين، وهذا ضد الآية التي فيها إن الله أسرع الحاسبين قال الله تعالى: (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) ( سورة الانعام /62)، فـلا يتحقق معنى أسرع الحاسبين إلا على مذهب أهل السنة أن الله متكلم بكلام أزلي بغير حرف ولا صوت
وذلك لأن عدد الجن والإنس كثير لا يحصيهم إلا الله، ومن الجن من يعيش ءالافًا من السنين، ومن الإنس من عاش ألفي سنة فأكثر، فقد عاش ذو القرنين في ملكه ألفي عام كما قال الشاعر العربي
الصّعبُ ذو القرنين أمسى ملكُه ألفيـن عامًـا ثـم صار رميـما
ومن الإنس أيضًا يأجوج ومأجوج كما ورد في الحديث أنهم من ولد ءادم، وورد أنهم أكثر أهل النار كما روى البخاري، وورد أنه لا يموت أحدهم حتى يلد ألفًا لصلبه كما رواه ابن حبان والنسائي ، وهؤلاء يحاسبهم الله على أقوالهم مع كثرتهم الكثيرة ويكلم كل فرد منهم تكليمًا بلا ترجمان، ويحاسبهم على عقائدهم ونواياهم وأفعالهم، فلا بد أن يأخذ حسابهم على موجب قول المشبهة الذين يقولون كلام الله حرف وصوت يتكلم من وقت إلى وقت ثم من وقت إلى وقت مدة واسعة جدًّا، فعلى موجب كلامهم يستغرق ذلك جملة مدة القيامة التي هي خمسون ألف سنة، وعلى قولهم هذا لم يكن الله أسرع الحاسبين وهو وصف نفسه بأنه أسرع الحاسبين كما تقدم، فقول المشبهة يؤدي إلى خلاف القرءان وذلك محال، وما أدى إلى المحال محال
وأما قول أهل السنة إن كلام الله ليس متجزئًا فيفهمون من كلامه الذي ليس بحرف وصوت وغير متجزىء في ساعة واحدة ، فيتحقق على ذلك أنه أسرع الحاسبين
فائدة أخرى: قال الشيخ الإمام المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ما نصه: » قال الشيخ الإمام أبو علي الحسن بن عطاء في أثناء جواب عن سؤال وجه إليه سنة إحدى وثمانين وأربعمائة: الحروف مسبوق بعضها ببعض، والمسبوق لا يتقرر في العقول أنه قديم، فإن القديم لا ابتداء لوجوده وما من حرف وصوت إلا وله ابتداء، وصفات البارىء جلّ جلاله قديمة لا ابتداء لوجودها، ومن تكلم بالحروف يترتب كلامه ومن ترتب كلامه يشغله كلام عن كلام، والله تبارك وتعالى لا يشغله كلام عن كلام، وهو سبحانه يحاسب الخلق يوم القيامة في ساعة واحدة، فدفعة واحدة يسمع كل واحد من كلامه خطابه إياه، ولو كان كلامه بحرف ما لم يتفرغ عن يا إبراهيم ولا يقدر أن يقول يا محمد فيكون الخلق محبوسين ينتظرون فراغه من واحد إلى واحد وهذا محال »اهـ
فالحاصل أنه ليس في إثبات الصوت لثه تعالى حديث مع الصحة المعتبرة في أحاديث الصفات، لأن أمر الصفات يُحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره، ويدل على ذلك رواية البخاري القدر الذي ليس فيه ذكر الصوت من حديث جابر هذا بصيغة الجزم، وروايته للقدر الذي فيه ذكر الصوت بصيغة التمريض، فتحصّلَ أن في أحاديث الصفات مذهبين
أحدهما: اشتراط أن يكون في درجة المشهور، وهو ما رواه ثلاثة عن ثلاثة فأكثر، وهو ما عليه أبو حنيفة وأتباعه من الماتريدية، وقد احتج أبو حنيفة رضي الله عنه في رسائله التي ألفها في الاعتقاد بنحو أربعين حديثا من قبيل المشهور
والثاني: ما ذهب إليه أهل التنزيه من المحدثين، وهو اشتراط أن يكون الراوي متففا على ثقته
فهذان المذهبان لا بأس بكليهما، وأما الثالث وهو ما نزل عن ذلك فلا يحتج به لإثبات الصفات
وهناك قاعدةُ تناسب هذا المطْلب وهي ما ذكرها الحافظ الخطيب أبو بكر البغدادي قال: « يُردّ الحديث الصحيح الإسناد لأمور: أن يخالف القرءان أو السنة المتواترة، أو العقل » قال: « لأن الشرع لا يأتي إلا بمُجَوَّزات العقول » ، والخطيب البغدادي أحد حفاظ الحديث السبعة الذين نوه علماء الحديث في كتب المصطلح بهم، وهم أصحاب الكتب الخمسة والبيهقي وهذا الخطيب البغدادي، وهو مذكور في كتاب تدريب الراوي من كتب مصطلح الحديث وغيره. وللذهبي عبارة موافقة للمذهب الثاني من المذاهب الثلاثة، وإن كان يتساهل بإيراد أحاديث غير ثابتة وءاثارٍ من كلام التابعينَ ونحوهم من غير تَبيين لحالها من حيث الإِسناد والمتن في بعض ما يذكره، وذلك في كتابه العلو للعلي الغفار فليحذر فإن ضرره على مطالعه عظيم
قال الإمام الإسفراييني ذاكرًا عقيدة أهل السنة والجماعة ما نصه : « وأن تعلم أن كلام الله تعالى ليسى بحرف ولا صوت لأن الحرف والصوت يتضمنان جواز التقدم والتأخر، وذلك مستحيل على القديم سبحانه » اهـ
وقال ملا علي القاري في شرح الفقه الأكبر ما نصه : « ومبتدعة الحنابلة قالوا: كلامه حروف وأصوات تقوم بذاته وهو قديم، وبالغ بعضهم جهلاً حتى قال: الجلد والقرطاس قديمان فضلاً عن الصحف، وهذا قول باطل بالضرورة ومكابرة للحس للإحساس بتقدم الباء على السين في بسم الله ونحوه » اهـ
وقال أيضا ما نصه : « وقد ذكر المشايخ رحمهم الله تعالى أنه يقال: القرءان كلام الله غير مخلوق، ولا يقال القرءان غير مخلوق لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف من الأصوات والحروف قديم كما ذهب إليه بعض جهلة الحنابلة » اهـ
قول ابن تيمية بالجسمية
أما قوله -اي ابن تيمية- بالجسمية في حق الله تعالى فقد ذكر ذلك في كتابه شرح حديث النزول ونصه : « وأما الشرع فمعلوم أنه لم ينقل عن أحد من الأنبياء ولا الصحابة ولا التابعين ولا سلف الأمة أن الله جسم أو أن الله ليس بجسم، بل النفي والإثبات بدعة في الشرع » اهـ.
وقال في الموافقة ما نصه : « وكذلك قوله (لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهو السَّمِيعُ البَصِيرُ) (سورة الشورى/11) ، وقوله (هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (سورة مريم/65)، ونحو ذلك فإنه لا يدل على نفي الصفات بوجه من الوجوه بل ولا على نفي ما يسميه أهل الاصطلاح جسما بوجه من الوجوه » اهـ.
وقال فيه أيضا ما نصه : « وأما ذكر التجسيم وذم المجسمة فهذا لا يعرف في كلام أحد من السلف والأئمة كما لا يعرف في كلامهم أيضا القول بأن الله جسم أو ليس بجسم، بل ذكروا في كلامهم الذي أنكروه على الجهمية نفي الجسم كما ذكره أحمد في كتاب الرد على الجهمية ». اهـ.
وقال في المنهاج ما نصه : « أما ما ذكره من لفظ الجسم وما يتبع ذلك فإن هذا اللفظ لم ينطق به في صفات الله لا كتاب ولا سنة لا نفيًا ولا إثباتًا، ولا تكلم به أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم لا أهل البيت ولا غيرهم » اهـ.
وقال في المنهاج ما نصه : « وقد يراد بالجسم ما يشار إليه أو ما يُرى أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى يُرى في الآخرة وتقوم به الصفات ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم وقلوبهم ووجوههم وأعينهم، فن أراد بقوله: ليس بجسم هذا المعنى قيل له: هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأنت لم ئقم دليلأ على نفيه » اهـ.
وقال في فتاويه ما نصه : » ثم لفظ التجسيم لا يوجد في كلام أحد من السلف لا نفيًا ولا إثباتًا، فكيف يحل أن يقال: مذهب السلف نفي التجسيم أو إثباته » اهـ.
وقال في كتابه بيان تلبيس الجهمية ما نصه : « وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها أنه ليس بجسم، وأن صفاته ليست أجسامًا وأعراضًا، فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل جهل وضلال » اهـ.
قلت: ويكفي في تبرئة أئمة الحديث ما نقله أبو الفضل التميمي رئيس الحنابلة ببغداد وابن رئيسها عن أحمد قال (// ///):// « وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال: إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسمًا لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجىء في الشريعة ذلك فبطل » أ هـ، ونقله الحافظ البيهقي عنه في مناقب أحمد وغيرُه.
وهذا الذي صرح به أحمد من تنزيهه الله عن هذه الأشياء الستة هو ما قال به الأشاعرة والماتريدية وهم أهل السنة الموافقون لأحمد وغيره من السلف في أصول المعتقد، فليعلم الفاهم أن نفي الجسم عن الله جاء به السلف، فظهر أن ما ادعاه ابن تيمية أن السلف لم يتكلموا في نفي الجسم عن الله غير صحيح، فينبغي استحضار ما قاله أحمد فإنه ينفع في نفي تمويه ابن تيمية وغيره ممن يدعون السلفية والحديث.
وهذا البيهقي من رؤوس أهل الحديث يقول في كتاب الأسماء والصفات في باب ما جاء في العرش والكرسي عقب إيراده حديث: « أتدرون ما هذه التي فوقكم » ما نصه: (والذي روي فيءاخر هذا الحديث إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان في القرب والبعد من الله تعالى سواء، وأنه الظاهر فيصح إدراكه بالأدلة والباطن فلا يصح كونه في مكان، واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي: « أنت الظاهر فليس فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء »، وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان » اهـ.
وقال الإمام الأشعري في كتاب النوادر: » من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه، وأنه كافر به » اهـ.
وقال أبو الثناء اللامشي ما نصه : « واذا ثبت أنه تعالى ليس بجوهر فلا يُتصور أن يكون جسمًا أيضا لأن الجسم اسم للمتركِّب عن الأجزاء، يقال: « هذا أجسمُ من ذلك » أي أكثر تركُّبًا منه، وتركب الجسم بدون الجوهرية وهي الأجزاء التي لا تتجزأ لا تتصور، ولأن الجسم لا يُتصور إلا على شكل من الأشكال، ووجوده على جميع الأشكال لا يُتصور أن يكون إذ الفرد لا يُتصور أن يكون مطوَّلا ومدورًا ومثلثًا ومربعًا، ووجوده على واحد من هذه الأشكال مع مساواة غيره إياه في صفات المدح والذم لا يكون إلا بتخصيص مخصص، وذلك من أمارات الحدث، ولأنه لو كان جسمًا لوقعت المشابهة والمماثلة بينه وبين سائر الأجسام في الجسمية، وقد قال الله تعالى لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ )(سورة الشورى/11)، » اهـ.
ثم قال ما نصه : « ثم إنهم ناقضوا في ما قالوا لأن الجسم اسم للمتركِّب لما مر، فإثبات الجسم إثبات التركيب ونفي التركيب نفي الجسم، فصار قولهم: « جسم لا كالأجسام » كقولهم: « متركب وليس بمتركب »، وهذا تناقض بَيِّنٌ بخلاف قولنا: شىء لا كالأشياء، لأن الشىء ليس باسم للمتركب وليس يُنبىء عن ذلك وإنما يُنبىء عن مطلق الوجود، فلم يكن قولنا: لا كالأشياء، نفيًا لمطلق الوجود بل يكون نفيًا لما وراء الوجود من التركيب وغيره من أمارات الحدث، فلم يكن ذلك متناقضًا ولله الحمد والمنة.
.وإذا ثبت أن الله تعالى لا يوصف بالجسم فلا يوصف بالصورة أيضًا لأن الصورة لا وجود لها بدون التركيب » اهـ
قال القاضي أبو بكر الباقلاني ما نصه : « فإن قالوا: ولم أنكرتم أن يكون البارىء سبحانه جسمًا لا كالأجسام كما أنه عندكـم شىء لا كالأشياء؟ قيل لهم: لأن قولنا: « شىء » لم يبن لجنس دون جنس ولا لإفادة التأليف، فجاز وجود شىء ليس بجنس من أجناس الحوادث وليس بمؤلَّف، ولم يكن ذلك نقضًا لمعنى تسميته بأنه شىء، وقولنا: « جسمٌ » موضوع في اللغة للمؤلَّف دون ما ليس بمؤلَّف، كما أن قولنا: « إنسان » و »محدَث » اسم لما وُجدَ عن عدم ولما له هذه الصورة دون غيرها، فكما لم يجز أن نثبت القديم سبحانه محدَثا لا كالمحدَثات وإنسانًا لا كالناس قياسًا على أنه شىء لا كالأشياء لم يجز أن نُثبته جسمًا لا كالأجسام لأنه نقض لمعنى الكلام وإخراج له عن موضوعه وفائدته.
فإن قالوا: فما أنكرتم من جواز تسميته جسمًا وان لم يكن بحقيقة ما وُضِعَ له هذا الاسم في اللغة؟ قيل لهم: أنكرنا ذلك لأن هذه التسمية لو ثبتت لم تثبت له إلا شرعًا لأن العقل لا يقتضيها إذ لم يكن القديم سبحانه مؤلفًا، وليس في شىء من دلائل السمع من الكتاب والسنة وإجماع الأمة وما يُستخرج من ذلك ما يدل على وجوب هذه التسمية ولا على جوازها أيضًا فبطل ما قلتموه » اهـ.
قال سيف الدين الآمدي في كتابه غاية المرام في علم الكلام ما نصه: » فإن قيل ما نشاهده من الموجودات ليس إلا أجسامًا وأعراضًا، فاثبات قسم ثالث مما لا نعقله، وإذا كانت الموجودات منحصرة فيما ذكرناه فلا جائز أن يكون البارىء عرضًا، لأن العرض مفتقر إلى الجسم والبارىء لا يفتقر إلى شىء، وإلا كان المفتقَر إليه أشرف منه وهو محال، وإذا بطل أن يكون عرضًا بقي أن يكون جسمًا، قلنا: منشأ الخبط ههنا إنما هو من الوهم بإعطاء الغائب حكم الشاهد والحكم على غير المحسوس بما حكم به على المحسوس، وهو كاذب غير صادق فإن الوهم قد يرتمي إلى أنه لا جسم إلا في مكان بناءً على الشاهد، وان شهد العقل بأن العالم لا في مكان لكون البرهان قد دلَّ على نهايته، بل وقد يشتد وهم بعض الناس بحيث يقضي به على العقل، وذلك كمن ينفر عن المبيت في بيت فيه ميت لتوهمه أنه يتحرك أو يقوم وإن كان عقله يقضي بانتفاء ذلك، فإذًا اللبيب من ترك الوهم جانبًا ولم يتخذ غير البرهان والدليل صاحبًا، واذا عرف أن مستند ذلك ليس إلا مجرد الوهم فطريق كشف الخيال إنما هو بالنظر في البرهان، فإنَّا قد بَيّنا أنه لا بد من موجود هو مُبْدِأُ الكائنات، وبيَّنا أنه لا جائز أن يكون له مثل من الموجودات شاهدًا ولا غائبًا، ومع تسليم هاتين القاعدتين يتبيَّن أن ما يقضي به الوهم لا حاصل له. ثم لو لزم أن يكون جسمًا كما في الشاهد للزم أن يكون حادثًا كما في الشاهد وهو ممتنع لما سبق » اهـ.
وقال الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ما نصه: « والذي يعبد جسمًا على عرشٍ كبير ويجعل جسمه كقبر أبي قبيس سبعة أشبار بشبره كما حكي عن هشام الرافضي أو كلامًا ءاخر تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم فقد عبد غير الله فهو كافر، وقال « إن قسمًا من القائلين بالتحيز بالجهة أطلقوا الجسمية ومنعوا التأليف والتركيب وقالوا: « عنيت بكونه جسمًا وجوده » وهؤلاء كفروا. ثم قال: « قال الإمام أبو سعيد المتولي في كتاب غنية المقبول في علم الأصول: إن قالوا نحن نريد بقولنا جسم أنه موجود ولا نريد التأليف، قلنا: هذة التسمية في اللغة ليس كما ذكرتم وهي مُنبئة عن المستحيل فلِما أطلقتم ذلك من غير ورود سمع، وما الفصل بينكم وبين من يسميه جسدًا ويريد به الوجود وإن كان يخالف مقتضى اللغة. قال أبو سعيد رحمه الله: فإن قيل أليس يسمى نفسًا؟ قلنا: اتبعنا فيه السمع وهو قوله سبحانه: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) (سورة المائدة/116)، ولم يرد السمعُ بالجسم، وكذلك قال الإمام يعني إمام الحرمين « .
أي لم يتقدم الله جنس الحوادث، وإنما تقدم أفراده المعينة أي أن كل فردٍ من أفرادِ الحوادث بعينه حادث مخلوق، وأما جنس الحوادث فهو أزلي كما أن الله أزلي، أي لم يسبقه الله تعالى بالوجود
وهذه المسألة من أبشع المسائل الاعتقادية التي خرج بها عن صحيح العقل وصريح النقل وإجماع المسلمين، ذكر هذه العقيدة في سبعة من كتبه: موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ومنهاج السنّة النبوية، وكتاب شرح حديث النزول، وكتاب شرح حديث عمران بن حصين، وكتاب نقد مراتب الإجماع، ومجموعة تفسير من ست سور، وكتابه الفتاوى، وكل هذه الكتب مطبوعة
أمّا عبارته في الموافقة فهي ما نصّه : « وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثا بل قديمًا، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده كما يفرقجمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه « . ا.هـ
وقال في موضع ءاخر في ردّ قاعدة ما لا يخلو من الحادث حادث لأنه لو لم يكن كذلك لكان الحادث أزليًا بعدما نقل عن الأبهري أنه قال: قلنا لا نسلم وانما يلزم ذلك لو كان شىء منالحركات بعينها لازمًا للجسم، وليس كذلك بل قبل كل حركة حركة لا إلى أول، ما نصه : « قلت هذا من نمط الذي قبله فإن الأزلي اللازم هو نوع الحادث لا عين الحادث، قوله لو كانت حادثة في الأزل لكان الحادث اليومي موقوفا على انقضاء ما لا نهاية له، قلنا: لا نسلم بل يكون الحادث اليومي مسبوقًا بحوادث لا أول لها ». ا.هـ
ويقول فيها أيضا ما نصه : ”فمن أين في القرءان ما يدل دلالة ظاهرة على أن كل متحرك محدث أو ممكن، وأن الحركة لا تقوم إلا بحادث أو ممكن، وأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها، وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، وأين في القرءان امتناع حوادث لا أول لها » ا.هـ. فهذا من عجائب ابن تيمية الدالّة على سخافة عقله قوله بقدم العالم القدم النوعي معحدوث كل فرد معين من أفراد العالم
قال الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل ما نصّه : « وأين قدم النوع مع حدوث أفراده؟ وهذا لا يصدر إلا ممن به مس، بخلاف المستقبل، وقال أبو يعلى الحنبلي في « المعتمد »: والحوادث لها أول ابتدأت منه خلافا للملحدة. ا.هـ. وهو من أئمة الناظم. يعني ابن القيّم. فيكون هو وشيخه من الملاحدة على رأي أبي يعلى هذا فيكونان أسوَأ حالا منه في الزيغ، ونسأل الله السلامة ». ا.هـ
وقال- أي ابن تيمية – في منهاج السنّة النبوية ما نصه : « فإن قلتم لنا: فقد قلتم بقيام الحوادث بالربّ، قلنا لكـم: نعم، وهذا قولنا الذي دلّ عليه الشرع والعقل
وقال فيه ما نصه : (ولكن الاستدلال على ذلك بالطريقة الجهمية المعتزلية طريقة الأعراض والحركة والسكون التي مبناها على أن الأجسام محدثة لكونها لا تخلو عن الحوادث، وامتناع حوادث لا أول لها طريقة مبتدَعة في الشرع باتفاق أهل العلم بالسنة، وطريقة مخطرة مخوفة في العقل بل مذمومة عند طوائف كثيرة) ا.هـ
وقال في موضعءاخر ما نصّه : « وحينئذٍ فيمتنع كون شىء من العالم أزليًا وان جاز أن يكون نوع الحوادث دائمًا لم يزل، فإن الأزل ليس هو عبارة عن شىء محدد بل ما من وقت يقدر إلا وقبله وقتءاخر، فلا يلزم من دوام النوع قدم شىء بعينه » ا. هـ. ومضمون هذا أمران: أحدهما أنه يقرّ ويعتقد قدم الأفراد من غير تعيين شىء منها
ثم هذا يتحصل منه مع ما نقل عنه الجلال الدواني في كتاب شرح العضدية بقوله : « وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيمية القول به- أي بالقدم الجنسي- في العرش »، أي أنه كان يعتقد أن جنس العرش أزلي أي ما من عرش إلا وقبله عرش إلى غير بداية وأنه يوجد ثم ينعدم ثم يوجد ثم ينعدم وهكذا، أي أن العرش جنسه أزلي لم يزل مع الله ولكن عينه القائم الآن حادث
وقال في موضع ءاخر من المنهاج ما نصه: « ومنهم من يقول بمشيئته وقدرته- أي أن فعل الله بمشيئته وقدرته- شيئا فشيئا، لكنه لم يزل متصفا به فهو حادث الآحاد قديم النوع كما يقول ذلك من يقوله من أئمة أصحاب الحديث وغيرهم من أصحاب الشافعي وأحمد وسائر الطوائف ا.هـ. فانظروا كيف افترى كعادته هذه المقولة الخبيثة على أئمة الحديث، وهذا شىء انفرد به ووافق به متأخري الفلاسفة، لكنه تقوّل على أئمة الحديث
والفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم وافترى عليهم، ولم يقل أحد منهم ذلك لكن أراد أن يروّج عقيدته المفتراة بين المسلمين على ضعاف الأفهام، ويربأ بنفسه عن أن يقال إنه وافق الفلاسفة في هذه العقيدة
وقد ردّ على ابن حزم في نقد مراتب الإجماع لنقله الإجماع على أن الله لـم يزل وحده ولا شىء غيره معه، وأن المخالف بذلك كافر باتفاق المسلمين، فقال ابن تيمية بعد كلام ما نصه: « وأعجب من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شىء غيره معه « . ا.هـ. وعبارته هذه صريحة في اعتقاده أن جنس العالم أزلي لم يتقدمه الله بالوجود
أما عبارته في شرح حديث عمران بن الحصين فهي: « وإن قدّر أن نوعها- أي الحوادث- لم يزل معه فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل، بل هي من كماله، قال تعالى: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (سورة النحل/17). وقال: « والخلق لا يزالون معه » إلى أن قال: « لكن يشتبه على كثير من الناس النوع بالعين « . ا.هـ
وقال في شرح حديث النزول في الرد على من قال: ما لا يخلو من الحوادث حادث، وعلى من قال: ما لا يسبق الحوادث حادث، ما نصه: « إذ لم يفرقوا بين نوع الحوادث وبين الحادث المعين ». اهـ. يريد أن القول بقيام حوادث لا أوّل لها بذات الله لا يقتضي حدوثه
وقال في كتابه الفتاوى ما نصه: « ومن هنا يظهر أيضا أن ما عند المتفلسفة من الأدلة الصحيحة العقلية فإنما يدل على مذهب السلف أيضا، فأن عمدتهم في « قدم العالم » على أن الرب لم يزل فاعلاً، وأنه يمتنع أن يصير فاعلاً بعد أن لم يكن، وأن يصير الفعل ممكنًا له بعد أن لم يكن، وهذا وجميع ما احتجوا به إنما يدل على قدم نوع الفعل » اهـ.
أما عبارته في تفسير سورة الأعلى : « الوجه الرابع أن يقال: العرش حادث كائن بعد أن لم يكن، ولم يزل مستويًا عليه بعد وجوده، وأما الخلق فالكلام في نوعه، ودليله على امتناع حوادث لا أول لها قد عُرف ضعفه، والله أعلم » اهـ
وقد أثبت هذه العقيدة عن ابن تيمية الحافظ السبكي في رسالته الدرة المضية، والحافظ أبو سعيد العلائي
فقد ثبت عن السبكي ما نقله عنه تلميذه الصفدي وتلميذ ابن تيمية أيضًا في قصيدته المشهورة حتى عند المنتصرين لابن تيمية وقد تضمنت الردّ على الحليّ ثم ابن تيمية لقوله بأزلية جنس العالم وأنه يرى حوادث لا ابتداء لوجودها كما أن الله لا ابتداء لوجوده قال-أي السبكي- ما نصه
ولابن تيمية ردُّ عليـه وفـي بمقصد الردّ واستيفاءِ أضْرُبِهِ
لكنه خَلطَ الحق المبين بما يشوبـُهُ كَـدًرٌ فـي صَفوِمشرَبِهِ
يحاوِلُ الحَشوَ أنَّى كان لهُ حثيثُ سيرٍ بشرقٍ او بمغرِبِهِ
يـرى حـوادث لا مبـدَا لأوَّلـهـا في الله سبحـانَهُ عما يظُنُّ بهِ
وقال العلاّمة البياضي الحنفي في كتابه إشارات المرام بعد ذكر الأدلة على حدوث العالم ما نصّه: « فبطل ما ظنه ابن تيمية من قدم العرش كما في شرح العضدية ». اهـ
هذا وقد نقل المحدّث الأصولي بدر الدين الزركشي في تشنيف المسامع اتفاق المسلمين على كفر من يقول بأزلية نوع العالم فقال بعد أن ذكر أن الفلاسفة قالوا: إن العالم قديم بمادته وصورته، وبعضهم قال: قديم المادة محدث الصورة، ما نصه: « وضلَّلهم المسلمون في ذلك وكفروهم « . اهـ. ومثل ذلك قال الحافظ ابن دقيق العيد والقاضي عياض المالكي والحافظ زين الدين العراقي والحافظ ابن حجر في شرح البخاري وغيرهم
قال القاضي عياض في الشفا : « وكذلك نقطع على كفر من قال بقدم العالـم أو بقائه أو شك في ذلك على مذهب بعض الفلاسفة والدهرية » اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ما نصه: « قال شيخنا- يعني العراقي- في شرح الترمذي: الصحيح في تكفير منكر الإجماع تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة كالصلوات الخمس، ومنهم من عبر بإنكار ما علم وجوبه بالتواتر، ومنه القول بحدوث العالم، وقد حكى القاضي عياض وغيره الإجماع على تكفير من يقول بقدم العالم، وقال ابن دقيق العيد: وقع هنا من يدّعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر لأنه من قبيل مخالفة الإجماع، وتمسك بقولنا: إن منكر الإجماع لا يكفر على الإطلاق حتى يثبت النقل بذلك متواترًا عن صاحب الشرع، قال: وهو تمسك ساقط إما عن عمى في البصيرة أو تعام، لأن حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل » اهـ
وقال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء عند الكلام على تكفير الفلاسفة ما نصه « ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته، فلم يذهب أحد من المسلمين إلى شىء من ذلك »اهـ ،
وقال في موضعءاخر منه ما نصه: « وقال السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب: اعلم أن حكم الجواهر والأعراض كلها الحدوث، فإذًا العالم كله حادث، وعلى هذا إجماع المسلمين بل وكل الملل، ومن خالف في ذلك فهو كافر لمخالفة الإجماع القطعي » ا.ه
انتهى الجزء الاول ; يُتبع الجزء الثاني
ليعلم أن أحمد بن تيمية هذا الذي هو حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور، ولد بحرّان ببيت علم من الحنابلة، وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفًا من المغول، وكان أبوه رجلاً هادئًا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولوه عدة وظائف علمية مساعدة له، وبعد أن مات والده ولّوا ابن تيمية هذا وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعًا له على المضي في وظائف والده وأثنوا عليه خيرًا كما هو شأنهم مع كل ناشئ حقيق بالرعاية. وعطفهم هذا كان ناشئًا من مهاجرة ذويه من وجه المغول يصحبهم أحد بني العباس –وهو الذي تولى الخلافة بمصر فيما بعد- ومن وفاة والده بدون مال ولا ميراث بحيث لو عُيّن الآخرون في وظائفه للقيَ عياله البؤس والشقاء.
وكان من جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني ومحمد بن الحريري الانصاري والعلاء القونوي وغيرهم، لكن ثناء هؤلاء غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم، فبدأ يذيع بدعًا بين حين وءاخر، وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح، فتخلوا عنه واحدًا إثر واحد على توالي فتنه.
ثم إن ابن تيمية وإن كان ذاع صيته وكثرت مؤلفاته وأتباعه، هو كما قال فيه المحدث الحافظ الفقيه ولي الدين العراقي ابن شيخ الحفاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضية على الاسئلة المكية: « علمه أكبر من عقله »، وقال أيضًا: إنه خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها اهـ. وتبعه على ذلك خلق من العوام وغيرهم، فأسرع علماء عصره في الرد عليه وتبديعه، منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي قال في الدرة المضية ما نصه: « أما بعد، فإنه لمّا احدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الاركان والمعاقد، بعد أن كان مستترًا بتبعية الكتاب والسنة، مظهرًا أنه داع إلى الحق هادٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدس، وأن الافتقار إلى الجزء –أي افتقار الله إلى الجزء- ليس بمحال ، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرءان محدَث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم وسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدّى في ذلك إلى استلزام قِدم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادث لا أول لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديمًا، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاثة والسبعين التي افترقت عليها الامة، ولا وقفت به مع أمة من الأمم همة، وكل ذلك وإن كان كفرًا شنيعًا مما تقلّ جملته بالنسبة لما أحدث في الفروع » اهـ.
وقد أورد كثيرًا من هذه المسائل الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي، نقل ذلك المحدث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر ، قال ما نصه
« ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع، فمنها ما خالف فيها الإجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب، فمن ذلك: يمين الطلاق، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفارة يمين، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة، ودام إفتاؤه بذلك زمانًا طويلاً وعظم الخطب، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوام وعمَّ البلاء. وأنّ طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته، وأنّ الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقًا كثيرًا من الناس فيه. وأن الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مُباح لها. وأنّ المكوس حلال لمن أقطعها، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها. وأنّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها وأن الصلاة إذا تركت عمدًا لا يشرع قضاؤها. وأنّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر، وإن كان بالبلد، وقد رأيت من يفعل ذلك ممن قلده فمنعته منه. وسئل عن رجل قدّم فراشًا لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل. وسئل عن شرط الواقف فقال: غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام، ولا يحضر درسًا على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعادًا يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس. وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به
ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبح التي يقول بها المعتزلة، فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل ما يبنى عليه كالموازنة في الأعمال.
وأما مقالاته في أصول الدين فمنها قوله: إن الله سبحانه محل الحوادث، تعالى الله عما يقول علوًا كبيرًا. وإنه مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء. وإنّ القرءان محدث في ذاته تعالى. وإنّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائمًا، فجعله موجبًا بالذات لا فاعلاً بالاختيار، سبحانه ما أحلمه. ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مردود.
وصرّح في بعض تصانيفه بأن الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى الله عن ذلك، وصنف جزءًا في أنّ علم الله لا يتعلق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنة، وأنه لا يحيط بالمتناهي، وهي التي زلق فيها بعضهم، ومنها أن الأنبياء غير معصومين، وأن نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلا ويكون مخطئًا، وصنف في ذلك عدة أوراق. وأنّ إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى الله عليه وسلم معصية لا يقصر فيها الصلاة، وبالغ في ذلك ولم يقل بها أحد من المسلمين قبله. وأن عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد حكاه بعض الفقهاء عن تصانيفه. ومن أفراده أيضًا أن التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنما وقع التحريف في تأويلها، وله فيه مصنف، هذا ءاخر ما رأيت، وأستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلاً عن اعتقاده » اهـ
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي في كتابه الفتاوى الحديثية ناقلا المسائل التي خالف فيها ابن تيمية إجماع المسلمين ما نصه [وان العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوقا دائما فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار تعالى الله عن ذلك، وقوله بالجسمية، والجهة والانتقال، وانه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر، تعالى الله عن هذا الافتراء الشنيع القبيح والكفر البراح الصريح] اهـ
وقال أيضا ما نصه [وإياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك] اهـ
وقال أيضا ما نصه [ولا يغتر بإنكار ابن تيمية لسنّ زيارته صلى الله عليه وسلم فإنه عبد أضله الله كما قال العز بن جماعة، وأطال في الرد عليه التقي السبكي في تصنيف مستقل، ووقوعه في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بعجيب فإنه وقع في حق الله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا، فنسب إليه العظائم كقوله: إن لله تعالى جهة ويدا ورجلا وعينا وغير ذلك من القبائح الشنيعة] اهـ
وقد استُتيب مرات وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة حتى حبس بفتوى من القضاة الأربعة الذين أحدهم شافعي والآخر مالكي، والآخر حنفي والآخر حنبلي، وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ وهو من تلامذة ابن تيمية وسيأتي، وأصدر الملك محمد بن قلاوون منشورًا ليقرأ على المنابر في مصر وفي الشام للتحذير منه ومن أتباعه
وكان الذهبي وهو من معاصري ابن تيمية مدحه في أول الأمر ثم لما انشكف له حاله قال في رسالته بيان زغل العلم والطلب ما نصه: « فوالله ما رمقت عيني أوسع علمًا ولا أقوى ذكاءً من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبت في وزنه وفتشه حتى مللت في سنين متطاولة، فما وجدت أخّره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدادوا به وكذبوه وكفّروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور، نسأل الله المسامحة، فقد قام عليه أناس ليس بأورع منه ولا أعلم ولا أزهد منه، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وءاثام أصدقائهم، وما سلّطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه، وما دفع الله عنه وعن أتباعه اكثر، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون، فلا تكن في ريب من ذلك » اهـ. وهذه الرسالة ثابتة عن الذهبي لأن الحافظ السخاوي نقل عنه هذه العبارة في كتابه الإعلان بالتوبيخ
وقال في موضه ءاخر فيه ما نصه: « فإن برعت في الاصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وءاراء الاوائل ومحارات العقول، واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف، ولفقت بين العقل والنقل، فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقاربها، وقد رأيتَ ما ءال أمره إليه من الحط عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منوّرًا مضيئًا على محياه سيما السلف، ثم صار مظلمًا مكسوفًا عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجالاً أفّاكًا كافرًا عند أعدائه، ومبتدعًا فاضلاً محققًا بارعًا عند طوائف من عقلاء الفضلاء » اهـ
فتبين أن الذهبي ذمّه لأنه خاض بالفلسفة والكلام المذموم أي كلام المبتدعة في العقيدة كالمعتزلة والمشبهة، وهذا القدح في ابن تيمية من الذهبي يضعف الثناء الذي أثنى عليه في تذكرة الحفاظ بقوله: ما رأت عيناي مثله وكأن السنة نصيب عينيه
ولنذكر فيما بعد ما قيل في ترجمة ابن تيمية وفي حبوسه وقيام العلماء وولاة الامر عليه
قال ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمة ابن تيمية
أحمد بن عبد الحليم : ولد سنة 661هـ. وتحوّل به أبوه من حران سنة 667 فسمع من ابن عبد الدائم والقاسم الإربلي والمسلم بن علان وابن أبي عمرو والفخر في ءاخرين وقرأ بنفسه
وأول ما أنكروا عليه من مقالاته في شهر ربيع الأول سنة 698 قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية وبحثوا معه ومُنع من الكلام، ثم حضر مع القاضي إمام الدين القزويني فانتصر له وقال هو وأخوه جلال الدين من قال عن الشيخ تقي الدين شيئًا عزرناه
ثم طُلب ثاني مرة في سنة 705 إلى مصر فتعصّب عليه بيبرس الجاشنكير وانتصر له سلار، ثم ءال أمره أن حبس في خزانة البنود مدة، ثم نقل في صفر سنة 709 إلى الإسكندرية، ثم أفرج عنه وأعيد إلى القاهرة، ثم أعيد إلى الإسكندرية، ثم حضر الناصر من الكرك فأطلقه ووصل إلى دمشق في ءاخر سنة 712. وكان السبب في هذه المحنة أن مرسوم السلطان ورد على النائب بامتحانه في معتقده لما وقع إليه من أمور تنكر في ذلك، فعقد له مجلس في سابع رجل وسئل عن عقيدته فأملى منها شيئًا، ثم أحضروا العقيدة التي تعرف بالواسطية فقرئ منها وبحثوا في مواضع، ثم اجتمعوا في ثاني عشرة وقرروا الصفي الهندي يبحث معه، ثم أخّروه وقدّموا الكمال الزملكاني، ثم انفصل الامر على أنه شهد على نفسه أنه شافعي المعتقد، فأشاع أتباعه أنه انتصر، فغضب خصومه ورفعوا واحدًا من أتباع ابن تيمية إلى الجلال القزويني نائب الحكم بالعادلية فعزره، وكذا فعل الحنفي باثنين منهم
ثم في ثاني عشري رجب قرأ المزي فصلاً من كتاب أفعال العباد للبخاري في الجامع فسمعه بعض الشافعية فغضبوا وقالوا نحن المقصودون بهذا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه، وبلغ ابن تيمية فتوجه إلى الحبس فأخرجه بيده، فبلغ القاضي فطلع إلى القلعة فوافاه ابن تيمية فتشاجرا بحضرة النائب واشتط ابن تيمية على القاضي لكون نائبه جلال الدين ءاذى أصحابه في غيبة النائب، فأمر النائب من ينادي أن من تكلم في العقائد فُعل كذا به، وقصد بذلك تسكين الفتنة، ثم عقد لهم مجلس في سلخ رجب، وجرى فيه بين ابن الزملكاني وابن الوكيل مباحثة فقال ابن الزملكاني لابن الوكيل: ما جرى على الشافعية قليل حتى تكون أنت رئيسهم، فظن القاضي نجم الدين بن صرصرى أنه عناه فعزل نفسه وقام، فأعاده الأمراء وولاه النائب وحكم الحنفي بصحة الولاية ونفذّها المالكي، فرجع إلى منزله وعلم أن الولاية لم تصح، فصمم على العزل فرسم النائب لنوابه بالمباشرة إلى أن يرد أمر السطان
ثم وصل بريدي في أواخر شعبان بعوده، ثم وصل بريدي في خامس رمضان بطلب القاضي والشيخ وأن يرسلوا بصورة ما جرى للشيخ في سنة 698، ثم وصل مملوك النائب وأخبر أن الجاشنكير والقاضي المالكي قد قاما في الإنكار على الشيخ وأن الأمر اشتدّ بمصر على الحنابلة حتى صفع بعضهم. ثم توجه القاضي والشيخ إلى القاهرة ومعهما جماعة فوصلا في العشر الاخير من رمضان وعقد مجلس في ثالث عشر منه بعد صلاة الجمعة، فادعى على ابن تيمية عند المالكي، فقال هذا عدوي ولم يجب عن الدعوى فكرر عليه فأصرّ، فحكم المالكي بحبسه فأُقيم من المجلس وحبس في برج، ثم بلغ المالكي أن اناس يترددون إليه فقال: يجب التضييق عليه إن لم يقتل وإلا فقد ثبت كفره، فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجبّ، وعاد القاضي الشافعي إلى ولايته ونُودِيَ بدمشق من اعتقد عقيدة ابن تيمية حلّ دمه وماله خصوصًا الحنابلة. فنودي بذلك وقُرئ المرسوم وقرأها ابن الشهاب محمود في الجامع. ثم جمعوا الحنابلة من الصالحية وغيرها وأشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الإمام الشافعي
وذكر ولد الشيخ جمال الدين بن الظاهري في كتاب كتبه لبعض معارفه بدمشق أن جميع من بمصر من القضاة والشيوخ والفقهاء والعلماء والعاوم يحطون على ابن تيمية إلا الحنفي فإنه يتعصّب له وإلا الشافعي فإنه ساكت عنه، وكان من أعظم القائمين عليه الشيخ نصر المنبجي لأنه كان بلغ ابن تيمية أنه يتعصّب لابن العربي فكتب إليه كتابًا يعاتبه على ذلك، فما أعجبه لكونه بالغ في الحطّ على ابن العربي وتكفيره فصار هو يحطّ على ابن تيمية ويغري به بيبرس الجاشنكير، وكان بيبرس يفرط في محبة نصر ويعظمه، وقام القاضي زين الدين بن مخلوف قاضي المالكية مع الشيخ نصر وبالغ في أذية الحنابلة، واتفق أن قاضي الحنابلة شرف الدين الحراني كان قليل البضاعة في العلم فبادر إلى إجابتهم في المعتقد واستكتبوه خطه بذلك، واتفق أن قاضي الحنفية بدمشق وهو شمس الدين بن الحريري انتصر لابن تيمية وكتب في حقه محضرًا بالثناء عليه بالعلم والفهم، وكتب فيه بخطه ثلاثة عشر سطرًا من جملتها أنه منذ ثلاثمائة سنة ما رأى الناس مثله فبلغ ذلك ابن مخلوف فسعى في عزل ابن الحريري فعزل وقرر عوضه شمس الدين الأذرعي، ثم لم يلبث الأذرعي أن عزل في السنة المقبلة. وتعصب سلار لابن تيمية وأحضر القضاة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنفي وتكلم معهم في إخراجه فاتفقوا على أنهم يشترطون فيه شروطًا وأن يرجع عن بعض العقيدة فأرسلوا إليه مرات فامتنع من الحضور إليهم واستمر، ولم يزل ابن تيمية في الجبّ إلى أن شفع فيه مهنا أمير ءال فضل، فأخرج في ربيع الأول في الثالث وعشرين منه وأحضر إلى القلعة ووقع البحث مع بعض الفقهاء فكتب عليه محضر بأنه قال أنا أشعري. ثم وجد خطه بما نصه: الذي اعتقد أن القرءان معنى قائم بذات الله وهو صفة من صفات ذاته القديمة وهو غير مخلوق وليس بحرف ولا صوت، وأن قوله: {الرحمنُ على العرشِ استوى} [سورة طه/5] ليس على ظاهره ولا أعلم كنه المراد به بل لا يعلمه إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء. وكتبه أحمد ابن تيمية. ثم أشهدوا عليه أنه تاب مما ينافي ذلك مختارًا وذلك في خامس عشري ربيع الأول سنة 707، وشهد عليه بذلك جمع جم من العلماء وغيرهم وسكن الحال وأفرج عنه وسكن القاهرة
ثم اجتمع جمع من الصوفية عند تاج الدين بن عطاء فطلعوا في العشر الأوسط من شوال إلى القلعة وشكوا من ابن تيمية أنه يتكلم في حق مشايخ الطريق وأنه قال لا يُستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم، فاقتضى الحال أن أمر بتسييره إلى الشام فتوجه على خيل البريدي، وكل ذلك والقاضي زين الدين بن مخلوف مشتغل بنفسه بالمرض وقد أشرف على الموت، وبلغه سفر ابن تيمية فراسل النائب فردّه من بلبيس وادعى عليه عند ابن جماعة وشهد عليه شرف الدين بن الصابوني، وقيل إن علاء الدين القونوي أيضًا شهد عليه فاعتقل بسجن بحارة الديلم في ثامن عشر شوال إلى سلخ صفر سنة 709، فنقل عنه أن جماعة يترددون إليه وأنه يتكلم عليهم في نحو ما تقدم، فأمر بنقله إلى الإسكندرية فنقل إليه في سلخ صفر وكان سفره صحبة أمير مقدم، ولم يتمكن أحد من جهته من السفر معه وحبس ببرج شرقي. ثم توجه إليه بعض أصحابه فلم يمنعوا منه فتوجهت طائفة منهم بعد طائفة، وكان موضعه فسيحًا فصار الناس يدخلون إليه ويقرءون عليه ويبحثون معه قرأت ذلك في تاريخ البرزالي، فلم يزل إلى أن عاد الناصر إلى السلطنة فشفع فيه عنده، فأمر بإحضاره فاجتمع به في ثامن عشر شوال سنة تسع فأكرمه وجمع القضاة وأصلح بينه وبين القاضي المالكي، فاشترط المالكي أن لا يعود، فقال له السلطان قد تاب وسكن القاهرة وتردد الناس إليه، إلى أن توجه صحبة الناصر إلى الشام بنية الغزاة في سنة 712 وذلك في شوال فوصل دمشق في مستهل ذي القعدة، فكانت مدة غيبته عنها أكثر من سبع سنين وتلقاه جمع عظيم فرحًا بمقدمه، وكانت والدته إذ ذاك في قيد الحياة
ثم قاموا عليه في شهر رمضان سنة 719 بسبب مسألة الطلاق وأكد عليه المنع من الفتيا، ثم عقد له مجلس ءاخر في رجب سنة عشرين، ثم حبس بالقلعة ثم أخرج في عاشوراء سنة 721
ثم قاموا عليه مرة أخرى في شعبان سنة 726 بسبب مسألة الزيارة واعتقل بالقلعة فلم يزل بها إلى أن مات في ليلة الاثنين والعشرين من ذي القعدة سنة 728. وكان يتكلم على المنبر على طريقة المفسرين مع الفقه والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسنة واللغة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدة مجالس كأن هذه العلوم بين عينيه فيأخذ منها ما يشاء ويذر، ومن ثم نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى له ذلك العجب بنفسه حتى زها على أبناء جنسه واستشعر أنه مجتهد فصار يرد عى صغير العلماء وكبيرهم قويهم وحديثهم حتى انتهى إلى عمر فخطأه في شيء، فبلغ الشيخ إبراهيم الرّقي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر، وقال في حق علي أخطأ في سبعة عشر شيئًا خالف فيها نص الكتاب منها اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين. وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى إنه سب الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه
ولما قدم غازان بجيوش التتر إلى الشام خرج إليه وكلمه بكلام قوي، فهمّ بقتله ثم نجا، واشتهر أمره من يومئذ. واتفق أن الشيخ نصرًا المنبجي كان قد تقدّم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه، فبلغه أن ابن تيمية يقع في ابن العربي لأنه كان يعتقد أنه مستقيم وأن الذي ينسب إليه من الاتحاد أو الإلحاد من قصور فهم من ينكر عليه، فأرسل ينكر عليه وكتب إليه كتابًا طويلاً ونسبه وأصحابه إلى الاتحاد الذي هو حقيقة الإلحاد، فعظم ذلك عليهم وأعانه عليه قوم ءاخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة وقعت منه في مواعظه وفتاويه، فذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال كنزولي هذا فنسب إلى التجسيم، ورده على من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو استغاث فاشخص من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة فجرى عليه ما جرى وحبس مرارًا فأقام على ذلك نحو أربع سنين أو أكثر وهو مع ذلك يشتغل ويفتي، إلى أن اتفق أن الشيخ نصرًا قام على الشيخ كريم الدين الآملي شيخ خانقاه سعيد السعداء فاخرجه من الخانقاه، وعلى شمس الدين الجزري فأخرجه من تدريس الشريفية، فيقال إن الآملي دخل الخلوة بمصر أربعين يومًا فلم يخرج حتى زالت دولة بيبرس وخمل ذكر نصر وأطلق ابن تيمية إلى الشام، وافترق الناس فيه شيعًا فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وإنه مستو على العرش بذاته، فقيل له: يلزم من ذلك التحيّز والانقسام، فقال: أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام، فألزم بأنه يقول بتحيز في ذات الله. ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُستغاث به وأن في ذلك تنقيصًا ومنعًا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين يعزر، فقال البكري لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصًا يقتل وإن لم يكن تنقيصًا لا يعزر. ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم ولقوله: إنه كان مخذولاً حيثما توجه، وإنه حاول الخلافة مرارًا فلم ينلها وإنما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنه كان يحب الرياسة، وإن عثمان كان يحب المال، ولقوله: أبو بكر أسلم شيخًا لا يدري ما يقول وعلي أسلم صبيًا والصبي لا يصح إسلامه على قول اهـ. كلام ابن حجر
قال ابن الوردي في تاريخه ما نصه
وفيها –أي سنة ثمان عشرة وسبعمائة- في جمادى الآخرة، ورد مرسوم السلطان بمنع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الفتوى في مسألة الحلف بالطلاق، وعقد لذلك مجلس ونودي به في البلد. قلت: وبعد هذا المنع والنداء، أحضر إليّ رجل فتوى من مضمونها أنه طلق الرجل امرأته ثلاثًا جملة بكلمة أو بكلمات في طهر قبل أن يرتجعها أو تقضي العدة، فهذا فيه قولان للعلماء أظهرهما أنه لا يلزمه إلا طلقة واحدة ولو طلقها الطلقة بعد أن يرتجعها أو يتزوجها بعقد جديد وكان الطلاق مباحًا فإنه يلزمه، وكذلك الطلقة الثالثة إذا كانت بعد رجعة أو عقد جديد وهي مباحة فإنها تلزمه، ولا تحل له بعد ذلك إلا بنكاح شرعي لا بنكاح تحليل والله أعلم. وقد كتب الشيخ بخطه تحت ذلك ما صورته: هذا منقول من كلامي، كتبه أحمد بن تيمية، وله في الإطلاق رخص غير هذا أيضًا، لا يلتفت العلماء إليها ولا يعرجون عليها
ثم قال : وفيها [أي في سنة ست وعشرين وسبعمائة] في شعبان اعتقل الشيخ تقي الدين بن تيمية بقلعة دمشق مكرمًا راكبًا، وفي خدمته مشد الأوقاف والحاجب ابن الخطير، واخليت له قاعة ورتّب له ما يقوم بكفايته، ورسم السلطان بمنعه من الفتيا، وسبب ذلك فتيا وجدت بخطه في المنع من السفر ومن إعمال المطي إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وحبس جماعة من أصحابه وعزر جماعة ثم أطلقوا سوى شمس الدين محمد بن أبي بكر إمام الجوزية فإنه حبس بالقلعة أيضًا اهـ
قال تقي الدين الحصني في كتابه دفع شبه من شبّه وتمرد بعد ذكره مرسوم الملك ابن قلاوون –وسيأتي فيما بعد- في ابن تيمية ما نصه
وأزيد على ذلك ما ذكره صاحب عيون التواريخ وهو ابن شاكر ويعرف بصلاح الدين الكتبي وبالتريكي وكان من أتباع ابن تيمية وضرب الضرب البليغ لكونه قال لمؤذن في مأذنة العروس وقت السحر أشركت حين قال:
ألا يا رسول الله أنت وسيلتي *** إلى الله في غفران ذنبي وزلتي
وأرادوا ضرب عنقه ثم جددوا إسلامه وإنما أذكر ما قاله لأنه أبلغ في حق ابن تيمية في إقامة الحجة عليه مع أنه أهمل أشياء من خبثه ولؤمه لما فيها من المبالغة في إهانة قدوته والعجب أن ابن تيمية ذكرها هو ساكت عنها
كلام ابن تيمية في الاستواء ووثوب الناس عليه
فمن ذلك ما أخبر به أبو الحسن علي الدمشقي في صحن الجامع الأموي عن أبيه قال: كنا جلوسًا في مجلس ابن تيمية فذكر ووعظ وتعرض لآيات الاستواء ثم قال: [واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا] قال فوثب الناس عليه وثبة واحدة وأنزلوه من الكرسي وبادروا إليه ضربًا باللكم والنعال وغير ذلك حتى أوصلوه إلى بعض الحكام واجتمع في ذلك المجلس العلماء فشرع يناظرهم فقالوا: ما الدليل على ما صدر منك، فقال: قوله تعالى: {الرَّحمنُ على العرشِ استوى} فضحكوا منه وعرفوا أنه جاهل لا يجري على قواعد العلم ثم نقلوه ليتحققوا أمره فقالوا: ما تقول في قوله تعالى {فأينما تُولُّوا فثمَّ وجهُ اللهِ} [سورة البقرة/115] فأجاب بأجوبة تحققوا أنه من الجهلة على التحقيق وأنه لا يدري ما يقول وكان قد غره بنفسه ثناء العوام عليه وكذا الجامدون من الفقهاء العارون عن العلوم التي بها يجتمع شمل الأدلة على الوجه المرضي وقد رأيت في فتاويه ما يتعلق بمسألة الاستواء وقد أطنب فيها وذكر أمورًا كلها تلبيسات وتجريحات خارجة عن قواعد أهل الحق: والناظر فيها إذا لم يكن ذا علوم وفطنة وحسن روية ظن أنها على منوال مرضي ومن جملة ذلك بعد تقريره وتطويله [إن الله معنا حقيقة وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله: {هوَ الذي خلقَ السمواتِ والأرض في ستةِ أيامٍ ثمَّ استوى على العرشِ يعلمُ ما يَلِجُ في الأرضِ وما يخرجُ منها وما ينزلُ من السماء وما يعرُجُ فيها وهوَ معكم أين ما كنتم واللهُ بما تعملونَ بصيرٌ} فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا] هذه عبارته بحروفها
ثم قال الحصني ما نصه : ((ولنرجع إلى ما ذكره ابن شاكر الكتبي في تاريخه في الجزء العشرين قال: ((وفي سنة خمس وسبعمائة في ثامن رجب عقد مجلس بالقضاة والفقهاء بحضرة نائب السلطنة بالقصر الأبلق، فسئل ابن تيمية عن عقيدته فأملى شيئا منها ثم أحضرت عقيدته الواسطية وقرئت في المجلس ووقعت بحوث كثيرة وبقيت مواضع أخّرت إلى مجلس ثانٍ، ثم اجتمعوا يوم الجمعة ثاني عشر رجب وحضر المجلس صفي الدين الهندي وبحثوا، ثم اتفقوا على أن كمال الدين بن الزملكاني يحاقق ابن تيمية ورضوا كلهم بذلك فأفحم كمال الدين ابن تيمية، وخاف ابن تيمية على نفسه فأشهد على نفسه الحاضرين أنه
شافعي المذهب ويعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي، فرضوا منه بذلك
انتهى كلام الحصني
والآن نشرع في نقض أقوال ابن تيمية التي شذّ بها مما سبق ذكره بطريق الإجماع بالدلائل الواضحات
Le Hafidh Ibn Hajar Al-‘Asqalaniyy a mentionné dans » Ad-Dourarou l-Kaminah » que Ibn Taymiyah a déclaré que l’émir des croyants, ‘Aliyy Ibn Abi Talib, que Allah honore son visage, « se serait trompé dans dix sept sujets dans lesquels il aurait contredit le texte même du livre », les savants l’ont jugé hypocrite pour cette allégation au sujet de ‘Aliyy, que Allah honore son visage, et aussi pour sa parole à son sujet « qu’il n’aurait pas été soutenu et qu’il aurait combattu pour le pouvoir et non pour la religion ».
Voir les scans du livre du Hafidh Ibn Hajar (rahimahoullah) :
Ibn Taymiyah l’a mentionné dans son livre Al-Minhaj tome 2 page 290 en les termes suivants : « Nous n’avons pas à prêter allégeance à quelqu’un qui est incapable de nous rendre justice ni à quelqu’un qui la délaisse, les imams du Livre et de la Sounnah on reconnu que le combat (à ses côtés) n’était ni un ordre, ni une obligation ni même recommandé. »
Voir les scans du livre de Ibn Taymiyya :
Et Ibn Taymiyah dit dans un autre passage (tome 2 page 307): « bien que ‘Aliyy n’eût pas pour ordre de les combattre non plus qu’il ne fût dans l’obligation de les combattre pour le simple fait qu’ils ne lui avaient pas obéi alors qu’ils étaient en conformité avec la loi de l’Islam. »
Voir les scans du livre de Ibn Taymiyya :
Et dans le même livre (tome 3 page 247) après avoir cité que les batailles menées par ‘Aliyy lors des batailles de Siffin et celles du Jamal étaient une déduction personnelle de sa part et non une obligation, il dit : « Il n’y pas d’avis plus blâmable que celui qui a fait couler le sang de milliers de musulmans, et ce combat n’a pas eu d’heureuses conséquences pour les musulmans dans leur religion ni dans leurs vies d’ici-bas, si ce n’est une diminution de bien et une augmentation en mal »
Voir les scans du livre de Ibn Taymiyya :
Et il dit (même livre tome 2 page 292) : « Quand à la majorité, ils se sont abstenus de lui prêter allégeance et de combattre à ses cotés. »
Voir les scans du livre de Ibn Taymiyya :
Et il dit (Tome 3 page 276): « Certes ‘Aliyy a combattu pour la prise de pouvoir et à cause de ce combat ont été tués un très grand nombre de gens, et il n’y a pas eu durant sa prise de pouvoir de combat contre les mécréants ni de conquêtes de leurs pays, ni une augmentation en bien pour les musulmans ».
Voir les scans du livre de Ibn Taymiyya :
Et il a dit (Tome 2 page 299) : « Et quand au califat de ‘Aliyy, il y a eu divergence à son sujet chez les musulmans. Et il n’y a pas eu d’augmentation en force pour les musulmans ni même une prise de dessus sur les mécréants, ni même une baisse de leur force. »
Voir les scans du livre de Ibn Taymiyya :
Il dit (Tome 4 page 280) : « Et les hadiths authentique montrent qu’il aurait mieux valu délaisser le combat pour les deux parties, et qu’il aurait mieux valu s’abstenir de combattre que de combattre, et que ‘Aliyy était prioritaire sur Mou’awiyah à le délaisser pour être en droit ; s’il avait délaissé le combat cela aurait été meilleur. »
Voir les scans du livre de Ibn Taymiyya :
Ainsi sa parole qu’il n’avait pas eu l’ordre de combattre, que ce n’était pas même une obligation ni même méritoire, et sa parole que s’il avait abandonné le combat cela aurait mieux valu, aurait été plus précautionneux et aurait entraîné plus de bien sont des contradictions de ce qu’a rapporté An-Naça-iyy avec une chaîne de transmission sûre au sujet des spécificités qui concernent ‘Aliyy que Allah l’agrée, il a dit : « Il m’a été ordonné de combattre les Nakithoun, les Qasitoun, et les Mariqoun »
Les Nakithoun sont ceux qui l’ont combattu lors de la bataille du Jamal, les Qasitoun sont ceux qui l’ont combattu lors de la bataille de Siffin, et les Mariqoun sont les khawarij. Et la chaîne de transmission ce hadith est sûre, il n’y a pas dans la chaîne de transmission de menteur, encore moins de pervers comme l’a prétendu à tort Ibn Taymiyah.
Et ses propos sont un démenti de la parole de Allah :
[فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي]
[sourah Al-Houjourat / 9] qui signifie : « Si l’un des deux groupes ce rebelle, alors combattez celui qui se rebelle. »
Et les avis des savants ont concordé que ‘Aliyy, que Allah l’agrée, fut le premier à combattre les rebelles injustes (boughat) et par conséquent qu’il a été préoccupé par eux au détriment du combat contre les mécréants déclarés.
Ces propos sont également un démenti du hadith qu’a rapporté Al-Hakim, Ibn Hibban et An-Naça-iyy :
« إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » ، قال أبو بكر : أنا هو ، قال : » لا » قال عمر : أنا هو ، قال : » لا ، ولكن خاصف النعل »
qui signifie : « Il y aura parmi vous quelqu’un qui combattra pour défendre les significations du Qour-an tout comme j’ai combattu pour défendre qu’il a été révélé ». Abou Bakr a dit alors : Est-ce que ce sera moi (Ô Messager de Allah) ? Il a dit : « Non ». ‘Oumar dit alors : Est-ce que ce sera moi (Ô Messager de Allah) ? Il a dit : « Non ». Il a dit : « Ce sera celui qui répare ses sandales ».
Voir les scans de ce hadith tiré du livre Al-Moustadrak de Al-Hakim :
‘Aliyy était à ce moment-là en train de réparer ses sandales.
Fin de la première partie, a suivre incha’a lLah
Quant au fait qu’Ibn Taymiyya ait interdit de voyager pour visiter la tombe du prophète (صلى الله عليه وسلم) et les tombes d’autre que lui, il a cité cela dans plus d’un livre.
En effet Ibn Taymiyya a dit dans son « Majmoû’ al-Fatâwâ » tome 2 page 333 ce qui suit :
« Le voyage dans le but de visiter une tombe quelconque est interdit chez les majorité des savants, même que les savants n’autorisent pas que la prière soit raccourci durant ce voyage du fait que ce voyage est une désobéissance et ce en raison de sa parole confirmée dans les deux Sahîh qui signifie : « On ne part pas en voyage pour visiter des mosquées sauf ces trois : La Mosquée Sacrée (Al-Masjid Al-Harâm), la Mosquée de Al-Aqsâ et ma Mosquée » et il (le prophète) est le plus savant des gens concernant cette question » fin de citation
Voir les scans de cette citation de Ibn Taymiyya :
Et il a dit également dans son livre « Al-Fatâwa l-Koubrâ » tome 2 page 51 ce qui suit :
« Ils ont dit : et ce parce que le voyage pour visiter les tombes des prophètes et celles des vertueux est une innovation qui n’a été pratiquée par aucun compagnon ni aucun successeur, et le prophète ne l’a pas ordonné, aucun des savants musulmans ne l’a recommandé, alors celui qui croit que cela est une adoration et qui l’a pratiqué, celui là aura contredit la Sounnah et l’unanimité des savants » fin de citation
Voir les scans de cette citation de Ibn Taymiyya :
Et il a dit dans son livre « Al-Ikhnâ-iyyah » page 144 ce qui suit :
« Alors celui qui a cru que le voyage vers les tombes des prophètes et des vertueux est un acte par lequel on se rapproche de l’agrément de Allâh, et que cela est une adoration et une obéissance, il aura contredit l’unanimité et s’il voyage parce qu’il croit que ceci est une adoration, ceci est interdit par l’unanimité, en effet cela est interdit parce qu’il considère cela comme un acte qui rapproche de l’agrément de Allâh » fin de citation
Voir les scans de cette citation de Ibn Taymiyya :
L’imâm Taqiyyou d-Dîn Al-Housni en réplique à Ibn Taymiyya a dit dans son livre « Daf’ou Choubahi man Chabaha Wa Tamarrad » page 456 et 457 ce qui suit :
« Et de parmi les sujets qui lui ont été reproché (à Ibn Taymiyya) il y a sa parole : visiter la tombe du prophète et les tombes des prophètes serait un péché par unanimité de manière catégorique. Il a été confirmé qu’il a bien dit cela, le Qâdî Jalâlou d-Dîn Al-Qazwîni l’a confirmé. Observe donc l’expression, il y a une grande perversion dans le fait de dire que c’est une désobéissance, qui prétend que cela est unanime et de manière catégorique !?
On demande à ce dévié d’apporter l’unanimité prétendu des compagnons, des successeurs et de ceux qui les ont suivis parmi les savants musulmans étant donné qu’il prétend cela.
Et je ne crois pas que quelqu’un aurait l’audace pour une chose semblable alors que les livres célèbres et même les livres qui sont délaissés et la pratique des gens de tout temps comporte l’incitation à le visiter à partir de tous les pays, car sa visite fait partie des meilleurs objectifs et les actes qui favorisent le plus l’agrément de Allâh, c’est une des sounnah des envoyés par unanimité chez les croyants en l’unicité, personne n’y porterai atteinte sauf quelqu’un dont le cœur contient la maladie des hypocrites, quelqu’un qui est issu des juifs et des ennemis de la religion, un associateur qui a outrepassé les limites en blâmant le maître des premiers et des derniers. La communauté du prophète Mouhammad a toujours entrepris ce voyage vers lui à partir de tous les pays et toutes les contrées, par groupes et par individus, ils ont suivi cette voie, les savants, les vieux, les hommes âgés et les jeunes jusqu’à ce qu’apparaisse à la fin des temps un innovateur, un irréligieux venu de Harrân qui a dupé les faibles »
Voir les scans de cette citation de l’Imam Taqiyyou d-Dîn Al-Housni :
Le Chaykh Ibn Hajar Al-Haytami a dit dans son livre « Al Jawharou l-Mounadh-dham fî Ziyârati l-Qabri ch-charîfi n-Nabawiyyi l-Moukarram » page 30 et 31 ce qui suit :
« Si on me dit : comment rapportes-tu l’unanimité précité au sujet du caractère méritoire de cette visite, du voyage pour l’effectuer et de la rechercher alors qu’Ibn Taymiyya qui fait partie des hanbalites récents renie le caractère méritoire de tout cela comme l’a vu As-Soubki dans ses écrits et il a longuement développé, c’est-à-dire Ibn Taymiyya pour argumenter cela en citant ce que les oreilles rejettent et ce que les natures réprouvent, il a même prétendu que le voyage pour effectuer cette visite est interdit par unanimité, que la prière ne peut pas y être raccourci, et que tous les hadîth à son sujet sont forgé, et qu’il a été suivi en cela par certains qui sont venu après lui et qui font partie de sa tendance ?
Je dis : Qui est Ibn Taymiyya pour qu’il soit pris en compte ou qu’il soit pris comme référence dans un des sujets de la religion ?! Il n’est pas autre que ce qu’on dit de lui un groupe de savants qui ont observé ses propos fallacieux et ses fausses preuves jusqu’à dévoiler l’égarement dans ses écarts et la laideur de ses illusions et ses erreurs comme a dit Al ‘Îzz Ibn Jamâ’ah : il est un être que Allâh a égaré et qui a été dupé et qui a porté l’habit de la honte que Allâh le fasse périr. Qu’il l’humilie et le prive suite à ses mensonges et ses fabrications » fin de citation
Voir les scans de cette citation du Chaykh Ibn Hajar Al-Haytami :
Nous disons et c’est par Allâh que l’on recherche la réussite :
Quand au fait qu’il utilise le hadîth qui a pour sens : « On ne part pas en voyage pour visiter des mosquées sauf ces trois : La Mosquée Sacrée (Al-Masjid Al-Harâm), la Mosquée de Al-Aqsâ et ma Mosquée » pour interdire le voyage pour visiter la tombe du prophète :
La réponse : c’est qu’aucun des Salaf n’a compris ce qu’a compris Ibn Taymiyya, mais plutôt la visite de la tombe du prophète est un acte recommandé (sounnah) que ce soit suite à un voyage ou pas, comme pour les habitants de Médine, les Hanbalites comme les autres ont cité que la visite de la tombe du prophète est recommandée, que cette visite soit l’objectif du voyage ou pas.
Quand au hadîth, son sens compris par les Salaf et les Khalaf, c’est qu’il n’y a pas un mérite en plus dans le fait de voyager pour prier dans une mosquée sauf dans le voyage vers ces trois mosquées, et ce car la récompense est multipliée dans ces mosquées à cent mille dans Al-Masjid Al-Harâm (à la Mecque) à mille dans la mosquée du prophète (à Médine ) et à cinq cent dans la mosquée Al-Aqsâ (à Jérusalem).
En effet ce qui est visé dans le hadîth c’est voyager vers ces mosquée dans le but d’y accomplir la prière et ce qui montre cela c’est ce qu’a rapporté l’Imâm Ahmad Ibn Hanbal dans son Mousnad tome 10 page 201 qui signifie : « Il ne convient pas d’entreprendre un voyage vers une mosquée pour y prier sauf vers la mosquée Al-Harâm ( la Mecque ), la mosquée Al-Aqsâ ( Jérusalem ) et ma mosquée ( à Médine )» .
Voir les scans de ce hadîth rapporté par l’Imâm Ahmad :
Et ce hadîth, le Hâfidh Ibn Hajar l’a jugé Haçan. Ainsi, ce hadîth explique le sens du hadîth précédent. Le fait d’expliquer un hadîth en s’appuyant sur un autre hadîth est meilleur que la falsification d’Ibn Taymiyya. Le Hâfidh Al-‘Irâqi a dit dans son livre « Alfiyatou l-Irâqi » page 161, au sujet de la terminologie de la science du Hadîth : ce qui signifie : « La meilleure manière d’expliquer un Hadîth c’est par un autre Hadîth » .
Voir les scans de la citation du Hâfidh Al-‘Irâqi :
Fin de la première partie, à suivre… (إن شاء الله).